إذاً، عاد الحديث مجدداً عن التقارب السوري- التركي بعد سنين طويلة مثلت فيها أنقرة بوابة للشر على سورية، بل صانعة للفتن والمؤامرات والأزمات، وجاءت مبادرة النظام التركي هذه المرة على لسان وزير خارجيته هاكان فيدان ليتبعه رئيس النظام رجب طيب أردوغان، الذي أكد انفتاحه على فرص إعادة العلاقة مع سورية، وحتى بشكل درامي، عرّج أردوغان على استعادة العلاقة العائلية مع الرئيس بشار الأسد.
تحمل هذه التصريحات مؤشرات إيجابية إلى إمكانية حدوث انفراج في محور جغرافي متوتر من محاور الشرق الأوسط المزدحمة الصراعات، خصوصاً أن التصريحات التركية وما قابلها من تصريحات سورية تنم عن رغبة مقرونة بالاستعداد لدى الطرفين للتوصل إلى اتفاق.
إن أي اتفاق على هذا المحور الملتهب، من شأنه إحداث خروقات في جدار الحل الكامل والشامل للأزمة السورية، الذي بدأ العام الفائت ضمن سلسلة من المساعي العربية والدولية، لتفكيك التشابك في واحد من أكثر الملفات تعقيداً على الساحتين الإقليمية والدولية، وهو ملف الأزمة السورية، خصوصاً مع التأكيدات أن العودة إلى إحياء مسار التقارب السوري- التركي، تحظى بدعم عربي واسع وبدعم روسي وصيني وإيراني، وحتى واشنطن أبدت تأييداً له.
هذا المسعى للتقاب يأتير بعد أكثر من عقد كانت فيه أكثر من تسعمئة كيلومتر من الشريط الحدودي السوري- التركي، شاهدة على تصدع العلاقات بين البلدين، إذ دعمت أنقرة من خلالها التنظيمات المسلحة في الشمال السوري، وفتحت هذه الحدود لعبور الإرهابيين من كل أرجاء العالم إلى سورية ومدتهم بالمال والسلاح، وتصاعد التوتر أكثر مع احتلال الجيش التركي مناطق في شمال سورية، في انتهاك واضح لسيادة دولة جارة، متجاوزاً بذلك كل الأعراف والقوانين الدولية.
اليوم، وفي ظل التحولات الجديدة، يفتح الحوار أبوابه مجدداً لتطبيع العلاقات، على وقع تعهدات الرئيس التركي بمد يد الصداقة إلى سورية، الذي يرى أن الطريق إلى دمشق يمر عبر روسيا، إذ رغم الطلب التركي بالجلوس مقابل الطرف السوري على طاولة المفاوضات من دون وجود طرف ثالث، إلا أن أردوغان يدرك مكانة روسيا لدى سورية، لذلك أعلن إمكانية إرسال دعوة إلى الرئيس بشار الأسد عبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما سيزور الأخير تركيا، وما سبق يدل على حاجة تركية ملحة لاستعادة العلاقات مع سورية، وإدراك أنقرة لدور روسيا المهم في تحقيق ذلك.
يبقى سؤال الدافع وراء رغبة كل من دمشق وأنقرة في التقارب، سؤالاً بارزاً، يجيب عنه هدف دمشق في استعادة السيطرة على كامل الأراضي التي تسيطر عليها التنظيمات المسلحة شمال البلاد والمدعومة من تركيا، وهذا يقتضي انسحاب الجيش التركي من تلك المناطق ووقف دعم التنظيمات الإرهابية، وهو أمر بديهي لاستعادة العلاقات بين البلدين، أما دوافع تركيا فهي كثيرة لعل أبرزها حاجة حزب العدالة والتنمية لاستعادة قاعدته الشعبية التي تعرضت لهزة كبيرة، انعكست في نتائج الانتخابات البلدية التركية الأخيرة، كما أن أنقرة يبدو أنها ترغب بمواكبة قطار التطبيع العربي والدولي مع دمشق، كما تخشى أنقرة من نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، التي قد تفضي إلى خروج قوات الاحتلال الأميركي من سورية، وهذا يتطلب تنسيقاً عالي المستوى بين أنقرة ودمشق، خشية ارتداد الإرهاب إلى تركيا، وهذا الدافع الأخير يجب أن يقرأه السوريون الأكراد بتمعن، وأن يأخذوا العبر مما يحصل الآن بين سورية وتركيا، وانعكاساته على التنظيمات المسلحة شمال البلاد، ومن ثم عليهم إدراك أن أقرب وأسهل وأكثر الطرق أماناً، هو طريق دمشق.
إن أي محادثات سورية- تركية، يجب أن تستند إلى المبادئ التي تضمن سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها، وإلا سيبقى الحديث التركي عن التقارب مجرد بروباغندا إعلامية.
كاتب سوري
المصدر: الوطن