تلا هذه المناشدات، تداول عدد من النشطاء عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ملاحظاتهم اليومية حول وجود طعم عفن لمياه الشرب ورائحة غير مستحبّة، على حد تعبيرهم، فيما استمر ذلك لأيام، دون صدور أي توضيح رسمي لأسباب ذلك، الأمر الذي أدّى إلى زيادة الأقاويل حول الموضوع.
السؤال هنا .. أين مؤسسة المياه...؟
في الوقت الذي كان ينتظر فيه الحلبيون توضيحاً رسمياً يوضح السبب، تعالت أصوات كثيرين عبر "فيسبوك" متحدّثين عن أعراض وإصابات معوية بدأت بالظهور، فيما طالب آخرون مؤسسة المياه بأخذ عينات لإجراء الفحوصات اللازمة.
ما دفع مياه حلب لإصدار "توضيح" عبر صفحتها الرسمية، الأربعاء، أكّدت استمرار ضخ مياه الشرب وفق المواصفات وبأنها معقّمة ومكلورة.
كما ذكرت المؤسسة في منشورها "التوضيحي" أنه سيتم أخذ عينات بشكل دوري من المحطات والخزّانات والشبكة، على كامل أحياء المدينة، للتأكد من مطابقتها للمواصفات.
إلا أنها لم تتطرق إلى توضيح سبب تغيّر طعم الماء، الأمر الذي صعّد الموقف، إذ لم يكتفِ الحلبيون بتأكيد المؤسسة على صلاحية المياه للشرب، وذلك بسبب استمرار وتفاقم وجود طعم "عفونة" في المياه، على حد تعبيرهم.
كل ذلك، جعل ضاعف من تعليقات الحلبيين على المنشور "التوضيحي" ذاته، إلى جانب تحديد مناطق سكنهم، داعين المؤسسة لأخذ عينات.
بالمقابل، استفز المنشور "التوضيحي" للمؤسسة بعض المواطنين وأوصل بعضهم إلى حد الاستهزاء بتعليقاته على ما نشرته المؤسسة، معتبرين ذلك تشكيك بقدرة الحلبيين على التذوق..
شائعات أم حقائق؟
ومع استمرار الظاهرة، تداول مواطنون منشورات عبر صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، يشتكون فيها من استمرار "طعم العفونة" في المياه، في حين تبادل البعض تعليقات عن وجود مصابين بالكوليرا، مما جعل بعضهم يربط سبب الإصابات المعوية بتغيّر طعم الماء، في ظل عدم وجود تصريحات رسمية توضّح حقيقة ما يجري.
بينما تداولت مصادر طبية معلومات عن وجود حالات لمصابين بإسهالات وأعراض معوية أخرى، إلى جانب تأكيدات أطباء متخصصين، فضّلوا عدم الكشف عن هوياتهم، أنه لا يمكن الجزم باعتبار مياه الشرب هي السبب الرئيسي لوجود إصابات معوية.
مشيرين إلى عدم وجود آلية علمية متاحة تحدد بدّقة طريقة انتقال العدوى، والتي غالباً ما تكون جرثومية أو فيروسية، إذ تنتقل العدوى عبر طرق كثيرة، كالخضار والمأكولات الجاهزة، وليس عبر المياه وحدها، مما يصعّب عملية تأكيد أو نفي مسألة اعتبار تغيّر طعم المياه سبباً مباشراً للإصابات المعوية.
فيما كشفت مصادر طبية أخرى وجود حالات لمصابين بالكوليرا تم احتواءها والسيطرة على انتشارها عبر أخذ الإجراءات اللازمة، ومنها التنسيق مع مؤسسة مياه حلب لزيادة نسبة الكلور في الماء، ما يبرر وجود تغيّر طفيف في طعم الماء.. فهل هذا هو السبب الوحيد؟
مؤسسة المياه تعترف بالمشكلة ..
ومع استمرار مناشدات المواطنين، كشف مدير عام مؤسسة المياه بحلب المهندس أحمد نور الناصر أن الطعم المتغيّر للمياه، والذي يشعر به المواطنون في عدد من أحياء المدينة، يعود سببه إلى المصدر الرئيسي من المياه الخامية في محطة الضخ البابيري، والتي تكون لها مواصفات متغيرة على مدار العام.
مرجعاً السبب إلى التغيرات المناخية، حيث أن امتداد واستمرارية فصلي الصيف والربيع حتى تاريخه وارتفاع درجات الحرارة غير المعهود بهذه الفترة من السنة، إضافة لعدم حصول هطولات مطرية كالسابق، كلها عوامل مؤثرة على طعم المياه.
كما أوضح الناصر السبب المباشر لظهور طعم مختلف عن الطعم الطبيعي لمياه الشرب بأنه عائد لمجمل تلك العوامل المناخية، إلى جانب عدم وجود مياه متجددة، مما أثّر على مواصفة المياه الخامية.
الظاهرة تحدث لأول مرة… فما الحل؟
إلا أن الملفت في هذه الظاهرة برأي مدير عام مؤسسة المياه أحمد نور الناصر إلى أن حدوثها لأول مرة، مؤكداً قيام مؤسسة المياه بكافة كوادرها بالعمل على هذا الموضوع، ضمن الطرق المتوفرة، وبأنها مستمرة في اجراءاتها بشكل يومي لمعالجة هذه الظاهرة الطارئة.
وفي سياق معالجة الظاهرة، أشار "الناصر" إلى وجود تحسّن ملحوظ، فهناك تحسّن للطعم في معظم الأحياء واختفاء للطعم في أحياء أخرى، على حدّ قوله.
وفي الخلاصة.. هل المياه صالحة للشرب؟
مصادر طبية نفت وجود أي حالات تسمم بالمياه في مشافي حلب، بينما أوضح مدير مياه حلب إلى أن مؤسسة المياه تقوم بقطف العينات وتحليلها يومياً من محطات التعقيم والخزانات الرئيسية ومن شبكة المدينة للتأكد من سلامة العينات.
مشيراً إلى ورود عينات إلى مؤسسة المياه من قبل المواطنين بغية تحليلها والتأكد من سلامتها، وقد أثبتت التحاليل أنها سليمة.
كما أكّد مدير عام مؤسسة مياه حلب، أن المياه التي يتم ضخها إلى أحياء المدينة سليمة ومعقّمة وليس لها أية آثار صحيّة ضارّة، ويتم التنسيق بهذا الخصوص بشكل دائم مع مديرية صحة حلب.
معتبراً أن كثرة تداول الموضوع عبر مواقع التواصل الاجتماعي شكّل هاجساً نفسياً لدى المواطنين، إلى جانب الخلط أحياناً لدى بعض المواطنين بين الطعم الناتج عن زيادة نسبة الكلور الذي يُستخدم لتعقيم المياه، وذلك نتيجة الهاجس الناجم عن الاشاعات المبالغ فيها، والمتداولة في وسائل التواصل الاجتماعي.
للكيميائيين رأي آخر..
ما تؤكده مؤسسة المياه ينفيه الكيميائيون، لا سيما بعد قيام الكيميائي الاختصاصي في الكيمياء التطبيقية الصناعية عمار جليلاتي بتحليل عينة من مياه الشرب فيزيائياً، وبتعريضها لنوع من الأشعة تبيّن وجود لون أخضر في المياه.
موضحاً أن وجود اللون يعود إلى احتمالية وجود زيادة في شوارد الحديد، نتيجة تعقيم المياه بالكلور، حيث أن الكلور المستخدم لتعقيم المياه ومع مرور الزمن يتفاعل مع القساطل المعدنية الناقلة للمياه والتي تُصنّع من الفولاذ والحديد، الأمر الذي يسبب تآكل على المدى التراكمي، مما يمكن أن يؤثر على طعم المياه.
مبيناً بالوقت ذاته الطريقة الأمثل لتعقيم المياه بواسطة الأوزون، وبأن مؤسسة المياه كانت تمتلك خط للتعقيم بالأوزون لكن تضررت تجهيزاته بفعل الحرب.
المصدر: تلفزيون الخبر