وأعرب الشيباني خلال كلمته التي ألقاها خلال القمة العربية، عن الأمل بأن يكون رفع العقوبات عن سورية بداية طريق معبد بالتعاون الحقيقي وتكامل الجهود العربية، لتحقيق التنمية وصون الأمن القومي العربي وتعزيز الاستقرار في المنطقة.
وأشار الوزير الشيباني إلى خطورة ما يحاك في الخفاء من محاولات ممنهجة لتفكيك المجتمع السوري وزرع الفتن وضرب النسيج الوطني، عبر دعم تشكيلات انفصالية ومشاريع طائفية وقومية تسعى إلى تقويض مؤسسات الدولة، مشدداً على تمسك سورية الثابت بسيادتها ووحدة أراضيها ورفضها القاطع لأي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية، وهذا مبدأ راسخ لا يقبل المناورة أو المفاوضة، كما أن حق الشعب السوري في تقرير مصيره وصوغ خياراته الوطنية ليس محل نقاش أو مساومة.
وفيما يلي النص الكامل لكلمة سوريا التي ألقاها الوزير الشيباني اليوم أمام القمة العربية بدورتها الرابعة والثلاثين في بغداد:
يشرفني أن أنقل إليكم تحيات فخامة الرئيس أحمد الشرع، كما أتحدث أمام جمعكم الكريم محملاً برسالة تقدير ووفاء من الشعب السوري، الذي وإن أثقلته السنوات العجاف، لم تفتر عزيمته، ولم تهن إرادته، بل ظل متمسكاً بعروبته، مؤمناً بأن البيت العربي هو الملاذ وهو الامتداد وهو المصير المشترك.
اسمحوا لي أن أعبر عن بالغ شكرنا وتقديرنا للدولة المضيفة جمهورية العراق، على ما لقيناه من حفاوة استقبال، وكرم الضيافة، وتنظيم رفيع، يعكس الأصالة والاهتمام، ويؤكد أن ما يجمعنا كأمة ليس مجرد جغرافيا مشتركة، بل تاريخ تليد وهوية جامعة ومصير واحد، ونرجو كل التوفيق لجمهورية العراق في الرئاسة الحالية، ونتقدم بكل الشكر لمملكة البحرين على جهودها المبذولة في الرئاسة السابقة.
لقد تابعنا جميعاً بإيجابية إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع العقوبات التي فرضت على بلدنا، وهو قرار نراه خطوة مهمة في طريق التعافي الوطني وإعادة الإعمار، ويعكس جهداً دبلوماسياً عربياً صادقاً أثمر عن نتائج ملموسة، وهنا لا يسعنا إلا أن نخص بالشكر والامتنان المملكة العربية السعودية والجمهورية التركية على ما بذلتاه من وساطة فعالة جاءت في لحظة تاريخية مفصلية.
كما نعبر عن بالغ امتناننا لدولة قطر التي وقفت إلى جانب السوريين في كل المراحل والظروف، ولدولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة الأردنية الهاشمية ولدول مجلس التعاون الخليجي كافة، ولكل دولة عربية وقفت إلى جانب سورية في هذه المرحلة الدقيقة، فكانت مواقفكم رسالة واضحة أن عروبة سورية لا تختزل في موقع جغرافي، بل هي جزء أصيل من وجدان هذه الأمة، وإن رفع العقوبات ليس نهاية المطاف، بل هو بداية طريق نأمل أن يكون معبداً بالتعاون الحقيقي وتكامل الجهود العربية، لتحقيق التنمية وصون الأمن القومي العربي وتعزيز الاستقرار في منطقتنا.
إن اجتماعنا اليوم على أرض بغداد الحبيبة عاصمة العروبة الأصيلة، لهو فرصة تاريخية لتجديد العهد بيننا كدول عربية، فمهما باعدتنا الظروف أو فرقتنا السياسات فإن ما يجمعنا أكثر بكثير مما يفرقنا.
إن الجمهورية العربية السورية حكومةً وشعباً، تنطلق في رؤيتها نحو عمقها العربي من إيمان راسخ بأن وحدتنا العربية ليست ترفاً سياسياً ولا خياراً تكتيكياً، بل ضرورة استراتيجية وركيزة أساسية لبناء مستقبل آمن ومستقر ومزدهر لشعوبنا جميعاً.
إن سورية اليوم تولد من رحم المعاناة أقوى إرادةً وأشد عزيمةً وأكثر إدراكاً لحجم التحديات التي تواجهها وتواجه أمتنا جمعاء، فبعد سنوات عجاف من القصف والدمار والتهجير والحصار لم نفقد الأمل، بل استطعنا بفضل الله استعادة حقوقنا والوقوف صفاً متراصاً لبناء وطننا، متمسكين بمصلحته العليا، عازمين على استعادة الحياة في كل بيت وشارع وقرية ومدينة، وازددنا يقيناً وصلابةً بأن الانتماء إلى هذه الأمة هو مصدر قوتنا وعمقنا الاستراتيجي الحقيقي.
إن سورية التي دفعت ثمناً باهظاً نتيجة سياسيات نظام الأسد البائد ومقاومة مشاريع التفتيت، تعود اليوم إلى حضنها العربي محملة بآمال شعبها وتطلعاته، ساعية لترميم الجسور وتطهير الذاكرة من جراح الانقسام، واضعة نصب عينيها بناء مستقبل جديد لا يقصي أحداً ولا يعادي أحداً، بل يفتح أبوابه لكل صوت مخلص ولكل يد ممدودة للخير.
قد بدأت خطوات جادة نحو التعافي الوطني، انطلقت من إيمان راسخ بأن سوريا لجميع السوريين، لا مكان فيها للتهميش ولا للإقصاء، ولأول مرة في تاريخها، خاضت سورية تجربة وليدة لحوار وطني جامع يستوعب التنوع ويضمن التمثيل ويصون الكرامة، كما نجحنا في تشكيل حكومة شاملة تعكس الإرادة الشعبية، وتترجم معاناة المواطن السوري إلى قرارات عادلة، كما نواصل العمل الجاد على كشف مصير المفقودين وتحقيق العدالة الانتقالية، لأننا نؤمن بأن لا مصالحة دون إنصاف ولا سلم أهلياً دون كشف للحقيقة، والآن نضع اللمسات الأخيرة لانطلاق العمل لأجل برلمان وطني يمثل كل الطيف السوري، ولتشكيل لجنة دستورية تبدأ بكتابة دستور دائم يكرس الحقوق ويصون السيادة ويؤسس لدولة القانون لا لدولة الفوضى.
إن تمسكنا الثابت بسيادة سوريا ووحدة أراضيها، ورفضنا القاطع لأي تدخل خارجي في شؤوننا الداخلية، أياً كان شكله أو مبرره، لهو حق أصيل ومبدأ راسخ لا يقبل المناورة أو المفاوضة، كما أن حق الشعب السوري في تقرير مصيره وصوغ خياراته الوطنية لا يجب أن يكون محل نقاش أو مساومة، فالسيادة ليست شعاراً فقط، بل هي جوهر الدولة ومعنى استقلالها وأساس علاقاتها مع غيرها، وإن أي مشروع يهدف إلى إضعاف الدولة السورية، أو اقتطاع جزء من أراضيها تحت أي ذريعة كانت، أمنية أو إثنية أو طائفية أو بدعم مجموعات انفصالية خارجة عن القانون، لهو مشروع مدان مرفوض رفضاً قاطعاً، لا من قبل الحكومة فحسب، بل من الشعب السوري بأكمله وبجميع انتماءاته ومكوناته، فسوريا الجديدة لجميع أبنائها ولا مكان فيها لمشاريع العزل أو التفرقة أو التمييز.
نقولها بوضوح ودون مواربة: سورية لا تقبل وصاية ولا ترضى أن تكون ساحة لصراعات الآخرين، نحن نريد علاقات متوازنة قائمة على الاحترام المتبادل لا على الإملاءات، نرفض أن نكون في محور ضد محور، أو طرفاً في استقطاب عربي، نحمل المحبة لكل دولة عربية، ونؤمن أن الخلافات مهما طالت فإنها لا تقطع وشائج الدم ولا تمحو ذاكرة التاريخ، وفي هذا السياق فإننا نثمن كل خطوة عربية صادقة ساهمت في كسر العزلة وفتح أبواب الحوار ورفع العقوبات، وهي خطوات تعبر عن وعي تاريخي وتحمل للمسؤولية، لأن سورية القوية هي ركيزة الأمن العربي، وسورية المستقرة هي ضرورة ومصلحة للجميع.
نجتمع اليوم وسورية لا تزال تواجه تحديات جسيمة تمس جوهر استقلالها وتهدد وحدتها وتفتح أبوابها لتقاطع الأجندات وتنازع المصالح على أرضها، وحتى بعد تحرير سورية في الثامن من كانون الأول، فما تزال سورية تدفع ثمناً باهظاً نتيجة تدخلات خارجية وصراعات داخلية، وتواجه اليوم أطرافاً لا يعنيها أمن السوريين ولا مستقبلهم، بل تعمل على توظيف المأساة السورية لخدمة مشاريعها الخاصة.
أول هذه التحديات هو استمرار نشاط بقايا تنظيم داعش في بعض المناطق، حيث يعاد تدويرهم واستغلالهم من قبل قوى خارجية، لا تسعى إلا لإدامة الفوضى واستخدام الإرهاب، كأداة للابتزاز السياسي والضغط الأمني، في انتهاك صارخ لسيادة الدولة والقانون الدولي.
أما التحدي الأخطر فيكمن فيما يحاك في الخفاء من محاولات ممنهجة لتفكيك المجتمع السوري وزرع الفتن، وضرب النسيج الوطني الذي تماسك عبر قرون من التعدد والتنوع، فنشهد اليوم دعماً لتشكيلات انفصالية ومشاريع طائفية وقومية تسعى إلى تقويض مؤسسات الدولة، وإضعاف مركزها وبث الشك في هوية سورية الواحدة الجامعة، هذه ليست مجرد تحركات عابرة، بل جهود مدروسة لجر البلاد إلى صراع أهلي طويل الأمد، يمزقها إلى كيانات متنازعة ويفقدها مقوماتها التاريخية كدولة ذات سيادة وعمق حضاري، وما يراد لسورية ليس سوى نموذج للتفتيت، يلبي طموحات المحتلين وأعداء الأمة ويقوض مرتكزات الأمن العربي.
إننا في مواجهة هذه التحديات نطالبكم اليوم أكثر من أي وقت مضى بالتمسك بدعم وحدة سورية أرضاً وشعباً، والعمل على دعم جهود الحكومة السورية الجديدة، ورفض كل أشكال التدخل والتقسيم، حمايةً لمستقبل سورية، وصوناً لهويتها الجامعة، وصيانةً لاستقرار المنطقة برمتها.
أعبر عن موقف بلادي الثابت إزاء التهديدات والانتهاكات المتواصلة التي يتعرض لها جنوب سورية، ولا سيما من قبل الجانب الإسرائيلي الذي ما فتئ يكرر عدوانه على السيادة السورية، عبر غارات تستهدف مواقع داخل الأراضي السورية، في خرق صارخ للقانون الدولي ولأبسط مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
إن هذه الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة والممنهجة لا تهدد فقط الأمن في جنوب سورية، بل تشكل تهديداً مباشراً للاستقرار الإقليمي ككل، وتفتح الباب واسعاً أمام التصعيد، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى تهدئة شاملة، تحفظ الأرواح وتصون السيادة وتمنع التدخلات الخارجية في شؤوننا الداخلية.
إن الجمهورية العربية السورية تؤكد التزامها التام باتفاقية فصل القوات لعام 1974، تلك الاتفاقية التي ما تزال تشكل أساساً قانونياً لضبط الحدود في منطقة الجولان المحتل، ومظلة لضمان حد أدنى من الاستقرار في تلك المنطقة الحساسة.
إننا نؤمن بأن الحفاظ على أمن جنوب سورية هو جزء لا يتجزأ من أمن سورية ووحدة أراضيها، وأن استمرار الاعتداءات يهدد كل مساعي التهدئة والاستقرار في المنطقة، ويفتح الباب أمام مزيد من الفوضى، ليس في سوريا فحسب، بل في عموم المنطقة.
نحن في سورية نمد أيدينا لكل الأشقاء العرب، ونتطلع إلى موقف عربي موحد في وجه هذه الانتهاكات، وإلى دور عربي فعال في دعم حق سورية في استعادة سيادتها الكاملة على كل أراضيها، ونحن إذ نضع أسس هذا المستقبل فإننا لا نغفل عن نبض القلب العربي، الذي يخفق اليوم في غزة الجريحة المحاصرة، المنكوبة تحت القصف، التي تقف ببطولة في وجه آلة العدوان، إن نداء غزة نسمعه بين ضلوعنا ونراه في عيون أطفالنا، ونعرف تماماً أن من لا يحزن لغزة لا قلب له، ومن لا يغضب لها لا ضمير عنده، لقد آن لمنطقتنا أن تنعم بالسلام، ولشعوبنا أن تحيا بالكرامة، آن للدم العربي أن يكف عن الهدر، وللبوصلة أن تعود إلى اتجاهها الصحيح.
سورية كانت وستبقى جزءاً من قلب هذه الأمة، وهي اليوم تمد يدها إليكم من منطلق الشراكة والمسؤولية والرغبة في بناء مستقبل يليق بتاريخنا ويصون أوطاننا ويحقق طموحات شعوبنا، لقد أنهكتنا الحروب واستنزفت مقدراتنا الأزمات، وأضعفت كياننا العربي الانقسامات والتجاذبات، فما عدنا نملك ترف الانتظار، ولا رفاهية الانشغال بالخلافات على حساب حاضر شعوبنا ومستقبل أجيالنا، آن الأوان لأن نرتقي فوق الجراح، ونتجاوز الخلاف، ونتحد من أجل بناء مستقبل جديد لأمتنا، مستقبل يليق بعراقتها ويستجيب لطموحات شعوبها، ويعيد لها دورها الفاعل في صناعة التاريخ لا الوقوف على هامشه.
نتوجه بخالص التهنئة وأصدق عبارات التقدير إلى جمهورية العراق الشقيقة، قيادةً وحكومةً وشعباً، على نجاح أعمال القمة العربية التي استضافتها العاصمة بغداد بكل كفاءة واقتدار، وإذ نبارك هذا النجاح فإننا نؤكد دعمنا لكل جهد مخلص يسعى إلى تعزيز التضامن العربي وترسيخ دعائم الأمن والسلام في منطقتنا، وفق الله الجميع لما فيه خير أوطاننا وأمتنا.