وجميل أن نرى بعيون الأدب الأصيل، فرنسا في القرن التاسع عشر، لنكتشف قدرة الإنسان على التغيير، فتلك الظروف البائسة، وتلك العدالة العمياء، صارت من حكايات الماضي، هذا لا يعني أن الناس قد تحرروا من قوى القهر والظلم، فهذه أيضاً، تطورت لتبرز في صورة مشكلات اجتماعية واقتصادية وسياسية تهدد حاضر الإنسان المعاصر. لكن كما هزم الناس بؤس القرن التاسع عشر ومآسيه، سيجدون حلولاً واقعية لمشكلاتهم الراهنة.
عرفت اللغة العربية بضع ترجمات كاملة لهذه الرواية، لكنها الترجمة السورية الكاملة الأولى، تقدمها وزارة الثقافة - الهيئة العامة السورية للكتاب في إطار ترجمة أعمال الكاتب الكبير فيكتور هيغو، آملة أن توفر للقارئ والكاتب والباحث شيئاً ممتعاً فنياً ومفيداً معرفياً.
ورواية البؤساء, (استلهمها هيفو من حادثة وقعت أمامه وكان ذلك عام 1829م، عندما رأى ثلاثة غرباء وضابط شرطة حيث سرق أحد الغرباء رغيف خُبز، وهؤلاء الثلاثة الذي رآهم هوجو أخذوا دورًا في الرواية بعد أن تخيَّل هوجو حياة الرجل في السجن، وهم جان فالجان السارق، والأم فانتين وابنتها كوزيت، جان فالجان هو البطل الرئيس لرواية البؤساء، حيث يصف هوجو صراع جان فالجان لعيش حياة طبيعية بعد أن حُكِم عليه بالسجن تسعة عشر عامًا لسرقة الخبز، لا لنفسه بل لإطعام أُسرة شقيقته، وقد حُكِم خمسة أعوامٍ للسرقة وأربعة عشر عامًا لمحاولات الهرب، وقد رفض أصحاب النُّزُل استضافته كونه مُدانًا سابقًا ويضطر للنوم في الشَّارع. ولحُسن حظ جان فالجان فإن أحد الأساقفة المُحسنين يوفر له مكانًا لينام فيه، وأثناء الليل يركض جان فالجان سارقًا فضّيات من منزل الأسقف لكن الشرطة تُلقي القبض عليه، إلا أن الأسقف يتظاهر بأنه هو من أعطى الفضّيات لجان فالجان ولم يسرقهم، وبعد مغادرة الشرطة يطلب الأسْقَف ميريل من جان فالجان بأن يستخدم مال الشَّمعدانات الفضّية لصنع رجل نزيه وشريف داخل نفسه، أما شخصية فانتين وكوزيت في رواية البؤساء فهي بائسة حقًا).
هل ثمة رؤيا إنسانية قادرة على التكثيف كما في المقطع السابق, ومن يعيد الدور الانساني للأدب وللمرجعيات الروحية, بل والحضارية, وينقذ البشرية من بؤسها وعدميتها ؟
لن يفتقد العالم كتابا كبارا كما هيغو وغيره ممن كانوا, وتركوا لنا هذه الكنوز, لكنه (العالم) بحاجة إلى إعادة توازنه, بعد أن اختل كثيرا, والادب أحد اوتاد التوازن ومرجعية قيمية كبيرة, شكرا للهيئة العامة للكتاب على الترجمة بتوقيت ربما يكون (رمية من غير رام, ولا أقصد التوقيت, لكنها رمية بتوقيت إعادة طرح سؤال الحياة: إلى اين نمضي ؟