في الخامس من هذا الشهر تشرين الأول 2018 أقفلت «نوبل» جوائزها بتلك المخصصة للسلام ومُنحت لكل من الناشطة العراقية ناديا مراد والطبيب الكونغولي دينيس مكويغي .. وتتربع جائزة نوبل للسلام على قمة جوائز نوبل المخصصة للفيزياء والطب والكيمياء والأدب.. وكان هذا «السلام» الغاية والهدف.
عندما توفي ألفريد نوبل في تشرين الأول 1896 صُدم العالم بفحوى وصيته، إذ وهب كل ثروته في سبيل تأسيس جائزة تخلد اسمه كمناهض للحروب وليس كـ«تاجر موت» كما كان يُلقب.. ونوبل هو مخترع الديناميت، وعشرات الاختراعات الأخرى وكلها متخصصة بالمواد والذخائر المتفجرة.
بنى نوبل عشرات المصانع حول العالم لإنتاج المتفجرات والذخائر، وجنى منها ثروة طائلة ، لذلك يمكن عده «أول تاجر سلاح» بالصفة الدولية المتعارف عليها اليوم .. هذه التجارة جعلته أغنى أغنياء عصره.
يتحدث نوبل عن حادثة وقعت في عام 1888عندما كان في فرنسا، وقد أثرت فيه بشدة وحفرت عميقاً في نفسه.. في ذلك العام توفي شقيقه لودفغ، ونتيجة خطأ في المعلومة قامت الصحف الفرنسية بنعيه هو بدلاً من شقيقه معنونة «نفوق تاجر الموت» ونددت باختراعه للديناميت.. هنا أدرك نوبل أن التاريخ سيخلد اسمه «قاتلاً» وليس مخترعاً خدم البشرية ومسيرة تطورها.. أدرك نوبل ذنبه وأراد التكفير فأسس جائزة مقرونة بكلمة «السلام» وهي المعروفة اليوم باسم جائزة نوبل للسلام، لتكريم الشخصيات البارزة التي قدمت إنجازات عظيمة للبشرية ولتطورها العلمي السلمي.
أراد نوبل أن يكون «رسول» سلام.. رسالته أنه بإمكان المجتمعات البشرية أن تتطور وتتقدم وتحقق الرفاه والغنى بعيداً عن الأسلحة وعن الحروب.
مئة وثماني عشرة سنة مرت على تأسيس جائزة نوبل (أول جائزة كانت 1901) العالم واظب على استمرارها عاماً بعد عام محتفياً بها – ولا يزال – كأعظم جائزة في التاريخ تخلد اسم حائزها وتنزله مقاماً علمياً – فكرياً سامياً، ليس قبله ولا بعده.. ولكن على الطرف المقابل، استمر العالم في تطوير وإنتاج الأسلحة وبأعلى مستوى لها من الفتك والتدمير، فتحولت جائزة نوبل إلى مجرد تذكير سنوي – ولأيام فقط – نتندر فيها على «نوبل» وعلى «سلام» لن يتحقق وعلى «رسالة» وصلت ثم طويت في الأدراج.
مئة وثماني عشرة سنة مرت، العالم بات غابة سلاح، ملوكها تجار أسلحة بمرتبة دول عظمى، وبات اقتناء السلاح – شراء واكتنازاً – غاية الجميع، الدول القوية لمضاعفة نفوذها وسيطرتها، والدول التي وجدت نفسها مستضعفة ومهددة دفاعاً عن نفسها، وكلما زاد الطلب ازداد العرض (تطويراً وتصنيعاً).. وامتلأت خزائن «دول السلاح» بالمليارات.. هذه الدول اكتشفت في السلاح الثروة التي لا تنضب مهما غرفت منها، شرط أن تستمر الحروب دائماً وأبداً.. ولا بأس بهذه الشرط مادامت بقيت الحروب بعيدة عنها.
.. وهكذا عمت الحروب، لا تكاد تنتهي في منطقة حتى تبدأ في أخرى، وفي نهاية كل عام تحصي «دول السلاح» أرباحها.. وتحصي الشعوب «أرواحها» التي فنيت والتي بقيت.
انبرت بعض منظمات المجتمع الدولي للتصدي، وطالبت دول السلاح بضوابط ومعايير «أخلاقية؟!».. وكان لها ما طلبت.. ولكن على الورق فقط، عشرات الاتفاقات والقوانين وضعت لإجبار «دول السلاح» على الحد من تصنيع وتصدير السلاح، ومع كل حرب تندلع نكتشف عقمها.
يُؤخذ على هذه المنظمات أنها لا تتعامل مع السلاح كمشكلة بل مع كيفية استخدامه، وهذا سبب فشلها، فهل هناك سلاح يُصنع إلا لهدف القتل والحرب.
ترد هذه المنظمات بتبرير مفاده أن القانون الدولي يعترف بحق كل دولة في الدفاع عن نفسها وشعبها، أي بشراء السلاح، لكننا هنا نغدو أمام إشكالية حيال مسألة أن نحظر أو لا نحظر السلاح، أي تجارته، فكيف تدافع هذه الدول عن نفسها إذا ما تم حظره عنها.
ليست هذه الإشكالية الوحيدة، بل في من يقرر حظر السلاح عن هذه الدولة أو تلك، عن طرف من دون طرف.. من يقرر شرعية هذه الحرب أو تلك، وأحقية هذا الطرف بالتسلح من دون الطرف الآخر.. من يقرر أو يحدد شرعية سلاح من دون آخر، وهل هناك سلاح شرعي وآخر غير شرعي، أليست جميعها تقتل وتشعل الحروب.. كيف بإمكاننا أن نقيّم أن هذا القتل شرعي وذاك غير شرعي؟
كلها أسئلة بلا أجوبة وستبقى كذلك، وعبثاً هي محاولات البحث عن إجابات عندما تكون تجارة الأسلحة والحروب المورد الأول والأعظم، لتحافظ دول كالولايات المتحدة على عرشها العالمي.
عندما تكتب «تجارة السلاح» على محركات البحث (غوغل مثلاً) فإنك تغرق بمئات المقالات والنشرات البحثية والدراسات التحليلية.. تصدمك الأرقام والإحصائيات لدرجة أنك لا تصدق أن العالم من حولك «غابة سلاح.. وقتل» وكيف أن السلاح (وتجارته) الحاكم الحقيقي للعالم، به تتسيد الدول وتسود.. إنه منطق القوة الذي لا منطق سواه في العالم الرأسمالي ما بعد الحرب العالمية الثانية، هذا الحاكم يتنافى تماماً مع المعايير الأخلاقية التي تطالب بها منظمات دولية، متجاهلة أن السلاح بحد ذاته عملية بطش بالآخر الذي يضطر – أي هذا الآخر – إلى اقتناء السلاح نفسه أو أشد منه بطشاً للدفاع عن نفسه، فيتحقق بذلك الهدف من وراء تصنيع السلاح، أي أن يكون هناك زبائن دائمون له، أفراداً ومنظمات ودولاً.
شاملة وتقليدية
..وربما هنا يجب التمييز بين نوعين من تجارة السلاح: الأول هو ما يسمى أسلحة الدمار الشامل (نووية – كيميائية – بيولوجية) وهذه سوقها ضيق، تقتصر على شراء موادها الأولية لتحقيق القدرة على تصنيعها محلياً، أما مسألة حظرها فهذه الأسلحة تكاد تحظر نفسها بنفسها من دون حاجة إلى معاهدات واتفاقيات دولية وذلك لقوتها التدميرية الشاملة من جهة.. ولأنها قد ترتد على الدولة نفسها التي تستخدمها – من جهة ثانية – لأسباب كثيرة من بينها القرب الجغرافي على سبيل المثال.
أغلب الدول تسعى وراء هذا النوع من الأسلحة بهدف الردع، ولكن ليست كل دولة قادرة على الحصول عليها، فهي مكلفة جداً وتخضع لكثير من الشروط والعقوبات من قبل الدول الكبرى لمنع أي دولة من الحصول عليها، لأن ذلك يعني أن تحقق تلك الدولة لنفسها الحماية التامة من دون أن تطلق (أي تشتري) رصاصة واحدة، أي إنها ستخرج نهائياً كزبون من سوق السلاح.. هذا عدا عن أنها – أي أسلحة الدمار الشامل – لا تحقق الغرض المطلوب أي الربح المالي، إذ يكفي استخدامها مرة واحدة لحسم أي حرب، بينما التجارة وعملية الربح تحتاج لدوام الحاجة والاستخدام.
النوع الثاني هو تجارة الأسلحة التقليدية من المسدسات إلى الطائرات والسفن الحربية مروراً بالدبابات والمدرعات والصواريخ والقاذفات والقنابل والألغام .. الخ، وهذا موضوع حديثنا لكونه النوع الذي يُغذي سوق السلاح ويُشعل الحروب ويضمن ديمومتها ويضُخ المليارات في خزائن الدول المنتجة والمتاجرة بها والتي تتصدرها الولايات المتحدة بسبع شركات عملاقة أبرزها: لوكهيد مارتن، وبوينغ»، وتقدر عوائدها بعشرات المليارات سنوياً، وربما لا نكشف جديداً عندما نقول: إن الشرق الأوسط هو الزبون الأكبر وفي مقدمته السعودية وبقية مشيخات الخليج، علماً أنها، بحسب الدراسات البحثية التحليلية، لا تبدو بحاجة إلى كل هذا التسلح، وإلى صرف الأموال الطائلة على صفقات أسلحة لا تقدم ولا تؤخر لناحية توفير الأمن والحماية لها، بينما كان الأحرى صرف تلك الأموال على مشاريع التنمية والرفاه الاجتماعي وتطوير اقتصادات بديلة.
الأضخم والأكثر ربحاً
والسؤال: لماذا هذه التجارة هي الأضخم والأكثر ربحاً، وهي مستمرة في التضخم بل في التغول رغم كل ما تستدعيه من أزمات أخلاقية لارتباطها بأشنع الجرائم الإنسانية على مر التاريخ .. هذه الجرائم التي بلغت ذروتها مع بداية الألفية الجديدة وما زالت مستمرة.
أولاً، نحن في عالم يعيش فيه الجميع في رعب وخوف، الجميع يخاف من الجميع، أقل حركة من هذا أو ذاك تجعل العالم كله يقف على رجل واحدة «التهديدات النووية مثلاً» حتى الأطراف القوية في هذا العالم ترتدع في لحظة ما وتتراجع، أو تقف حيث هي على الأقل.. هذا بالنسبة لأسلحة الدمار الشامل، أما الأسلحة التقليدية فهي تفتح كل الهوامش للوصول إلى أقصى الحدود في التصنيع والبيع والشراء، أي في حروب مفتوحة لا تتوقف ومن دون خوف من إدانات أو محاكمات.
ثانياً، تجارة الأسلحة بالنسبة للدول الرأسمالية تجارة نظيفة مئة بالمئة، أرباحها هائلة بلا حدود حتى باتت مصدر الدخل الأول لها، لنعرض بعض الأرقام تدليلاً على ذلك، علماً أنها أرقام تقديرية، فأي دراسة لم تستطع تتبع ما بلغته هذه التجارة من أرباح نظراً لما تتصف به من تكتم وسرية تامة:
– تبلغ حصة الولايات المتحدة في سوق السلاح العالمي 34 في المئة، ثلث السلاح الأمريكي يذهب إلى الشرق الأوسط ، إلى السعودية والإمارات في الدرجة الأولى.
– في السنوات الخمس الماضية، وثقت الدراسات ارتفاعاً غير مسبوق في تجارة الأسلحة وصل إلى تريليوني دولار بين عامي 2012 و 2017 . نسبة المبيعات للشرق الأوسط ارتفعت 103 في المئة، السعودية احتلت المرتبة الأولى عالمياً متفوقة على الهند… في عام 2015 اشترت السعودية سلاحاً بقيمة 10 مليارات دولار استخدمت للحرب على اليمن، ولدعم الجماعات المسلحة في سورية، قيمة السلاح الذي تشتريه السعودية من الولايات المتحدة وحدها بلغت 43 مليار دولار، ومثلها قيمة ما تشتريه من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا.
– بلغت قيمة مبيعات أبرز شركات السلاح الأمريكية على التوالي : لوكهيد مارتن 36 مليار دولار، بوينغ 32 مليار دولار، نورث غرومن 21 مليار دولار، جنرال داينامكس 24 مليار دولار، يونايتد تكنولوجيز 12 مليار دولار.
– بالنسبة للأسلحة المحرمة دولياً: صحيح أن سوقها محدود إلا أن سعرها مُضاعف، التحريم طبعاً ينطلق من كونها أسلحة غير إنسانية وهي أكثر فتكاً وتدميراً، ولكن من قال إن الأسلحة الأخرى إنسانية أو إنها أقل فتكاً وتدميراً؟!
– قيمة مبيعات الأسلحة الصغيرة (الخفيفة) تقارب تريليون دولار سنوياً، هناك 1150 شركة تصنيع للأسلحة الخفيفة في 100 بلد على الأقل.. الإنتاج السنوي من الطلقات على أنواعها يبلغ 20 مليار طلقة كل عام (نصف مليون شخص يموتون سنوياً بسبب خلافات مسلحة، أي ضحية كل دقيقة).
كل الطرق مفتوحة
ثالثاً، أغلبية الدول المُصنّعة والمُتاجرة لا تتدخل مباشرة في الحروب، لكن سلاحها جاهز وحاضر، وكل الطرق مفتوحة أمامها، بدءاً من التدخل والدعم التسلحي بزعم العمل على إنهاء الأزمة عسكرياً، بينما الهدف أن تتطور الأزمة، وهذا ما يحدث.. تتطور الأزمة ويتصاعد العنف فتصبح الحاجة أكبر لسلاح إضافي.. تتسع الأزمة باتجاه الحرب المفتوحة.. يتزايد الطلب على السلاح أكثر فأكثر، فتتزايد أرباح المصنعين والتجار: دول – شركات – أفراد – سماسرة .. الخ أياً يكن.. وهكذا.
رابعاً، لا تقف
تجارة السلاح عند حدود الأرباح فقط، بل تصل إلى مستوى التحكم بالقرار الاقتصادي ومن ورائه القرار السياسي، «لوبيات» وأباطرة السلاح هي اليوم أقوى من الدول (بمعنى القيادات السياسية ).
خامساً، إذا أردنا الحديث عما يسمى «دورة حياة السلاح» فهي دورة شديدة البساطة : يتم تطوير فكرة السلاح ثم يُصنّع، بعدها تبدأ عملية النسخ والتحديث على فترات متوسطة الطول.. أثناء التحديث يتم التعامل مع النسخ الموجودة عبر صيانتها واستبدال قطع فيها.. الآن هذه هي المرحلة الأولى، وهي بسيطة كما قلنا بعكس المرحلة الثانية وهي تجريب السلاح، فكيف يتم ذلك؟
لا يمكن عرض سلاح ما للبيع (ولا يمكن لأحد أن يشتريه) إلا إذا كان مُجرباً بصورة نظامية مضمونة ووفق وثائق ودلائل مؤكدة، ليس فقط لضمان بيعه وإنما لاستمرار تصنيعه.. والتجريب لا يكون إلا على أرض معركة، وإذا لم يكن هناك معركة فلا بد من إشعالها، وهذا ينطبق على كل الأسلحة: الشاملة والتقليدية.
سادساً، الأسلحة التقليدية لا تنتشر فقط في ميادين المعارك، بل في الشوارع أيضاً كأحد أبرز مظاهر العنف المجتمعي، الولايات المتحدة أبرز مثال، ونحن هنا نتحدث عن الأسلحة الصغيرة، أي الخفيفة، مسدسات، بنادق آلية، قنابل صغيرة.. إلخ، وهذه تجارة لا تقل ربحاً عن تجارة الحروب، وحسب الإحصاءات فإن أعداد الضحايا تكاد تتساوى بين التي تسببها الحروب وتلك المتعلقة بالعنف المسلح.
مشروعة وغير مشروعة
سابعاً، ليس أسهل من اللعب على القوانين الدولية فيما يخص تجارة الأسلحة وتوريدها إلى هذه الدولة أو تلك.. إلى طرف ما في حرب ما، وكثير من هذه الدول تعتمد التجاهل لما تسببه من انتهاكات لاتفاقات حظر توريد الأسلحة.. في العقدين الماضيين، تحديداً ما بعد هجمات 11 أيلول 2000، باتت أمريكا ومن لفّ لفها يتذرعون بمحاربة الإرهاب والدفاع عن الشرعية لتبرير كل حرب تشعلها أو تدخلها أو تطيل عمرها. أمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا – على سبيل المثال- جميعها تورد أسلحة للسعودية في حربها على اليمن وفي الوقت نفسه تدين بلا حياء ما تسميه هي بلسانها الحرب الوحشية في اليمن وترسل المبعوثين لأجل إحلال السلام فيه، فهل هناك نفاق وتلاعب وتجاهل أكثر من ذلك؟! لتتوقف هذه الدول عن توريد السلاح للسعودية وشركاؤها في هذه الحرب وهي ستتوقف وحدها.
ثامناً، تُصنّف
تجارة السلاح إلى نوعين : تجارة مشروعة وأخرى غير مشروعة، الأولى تتم وفق صفقات علنية وشبه علنية تتحكم بها علاقات الدول ومصالحها السياسية في الدرجة الأولى.. والثانية تتم في سرية تامة تتحكم فيها شركات إنتاج وتصدير السلاح.. ما يهمنا هنا الجانب المشروع من تجارة الأسلحة، يكفي أن يكون هذا الجانب موجوداً لتستمر الحروب وليكون كل اتفاق أو تحرك، واسعاً كان أم محدوداً، محكوماً بالفشل.. وكل له حجته وذرائعه في تصدير السلاح أو في استيراده أو في استخدامه.
لماذا الفشل؟
لنسأل: ما هي الاتفاقات أو التحركات الأممية في إطار الحد من تجارة السلاح، وهل هو هدف قابل للتحقيق؟
يُفترض أن تحتفل الأمم المتحدة في الأسبوع الأخير من هذا الشهر تشرين الأول، بأسبوع الأمم المتحدة لنزع السلاح، وهو احتفال سنوي مستمر منذ 35 عاماً وتم تحديده في الأسبوع الأخير من شهر تشرين الأول من كل عام.
نحن لا نريد أن نبخس الأمم المتحدة جهودها، ولا جهد العديد من الشخصيات العالمية البارزة التي تفانت في العمل لتحقيق أهداف نزع السلاح والتوصل إلى عالم أكثر أمناً وسلاماً، لكن مع الأسف في كل عام نشهد اشتعال المزيد من الحروب والأزمات لتذهب كل تلك الجهود سدى.
آخر تحرك أممي تمثل في معاهدة أقرت في 14 كانون الأول 2014 وقع عليها ما يقارب 100 دولة بهدف الحد من تجارة الأسلحة عبر وضع ضوابط ومعايير ملزمة للدول الموقعة، والقاعدة التي تقوم عليها المعاهدة – بحسب واضعيها –قاعدة بسيطة تقول: إذا ما عرفت دولة ما أن السلاح الذي تعتزم بيعه سوف يستخدم في ارتكاب جرائم إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب، فينبغي عليها وقف عملية البيع.. ويُفترض أن هذه المعاهدة نصت على قواعد حاسمة على الأرض للتأكد من تطبيق الدول الموقعة هذه «القاعدة البسيطة؟!».
بحسبة بسيطة، وحسب الأرقام التي ذُكرت آنفاً لحجم ومستوى تصنيع وتجارة السلاج، فإن هذه المعاهدة فشلت مئة في المئة، لماذا؟
1- لأن الدول الأساسية المُصنّفة أولى في تصنيع و
تجارة السلاح لم توقع عليها.
2- لأن المعاهدة توحد بين الجميع، أي الأطراف في حرب ما، المباشرين وغير المباشرين، وتالياً لا تميز بين من يعتدي ومن يدافع عن نفسه، كلاهما يحتاج السلاح ويشتريه ولكن لا مقارنة بين الاعتداء والدفاع وهذا ما تغفله المعاهدة.
3- لأن المعاهدة لا تحدد من يقوم بجرائم الإبادة ولماذا؟.. الدول التي تعتدي تستطيع تبرير كل جرائمها بالقول: إن القتلى أو الضحايا هم من الإرهابيين، وهذه ذريعة تكفي لتبعدها عن المساءلة والمحاكمة ومن دون أن تتم مُطالبتها بتقديم الدلائل، حتى لو كان بين الضحايا مدنيون فإن المعتدي يقول إنهم يدخلون في إطار «الخسائر الجانبية» التي لا مفر منها.. في المقابل، إذا هاجم الطرف المعتدى عليه المعتدي أو دافع عن نفسه موقعاً قتلى في صفوف المعتدين، وبما لا يتوافق مع مصالح الدول المصنعة والمتاجرة للسلاح، فإن هذه الدول تدفع باتجاه إدانة المعتدى عليه وتقديمه للمحاكمة لأنه ارتكب جريمة إبادة.. وهكذا، قس على ذلك الكثير من الأمثلة.
4- لأن هذه المعاهدة شفهية أكثر منها عملية، أي إنها تدعو وتطالب ولا تفرض عقوبات أو حتى مساءلات للمنتهكين.
5- لأن الأمم المتحدة لا تملك آليات التطبيق اللازمة لهذه المعاهدة (ولغيرها) عدا عن أن قضية بحجم
تجارة السلاح هي أضخم من أن تتولاها الأمم المتحدة وحدها من دون قوى دولية داعمة لها.
6- لأن القرار الأول والأخير للدول الكبرى ومصالحها وليس للأمم المتحدة.
7- لأن أغلب المعاهدات الدولية معاهدات مطاطة، كل دولة تمطها على قياسها فيضيع المعنى والهدف السامي لها.