وأوضح أن الرقم كبير قياساً بعدد الشركات المنحلة منذ بداية العام، والذي يبلغ 79 شركة، أي 75 بالمئة من مجمل العدد، فقط في آخر ثلاثة أشهر.
من جهته علق الخبير الاقتصادي الدكتور حسن حزوري الذي أوضح بداية أن الأسباب التي قد تدفع المستثمرين إلى حل شركاتهم أو نقل استثماراتهم خارج البلد متعددة، منها ارتفاع أسعار وتكاليف مستلزمات الإنتاج الصناعي والزراعي، سواء كانت مستوردة أم منتجة محلياً، مما ينعكس على تكلفة المنتج النهائي، نتيجة عدم استقرار سعر الصرف.
وأضاف حزوري إن السياسات الحكومية، رغم أن شعارها المعلن هو دعم كل القطاعات الاقتصادية، وخاصة قطاعات الإنتاج، إلا أنها فعلياً أعطت أهمية كبيرة للقطاعات الريعية كالسياحة والتجارة على حساب قطاعات الإنتاج الحقيقي من صناعة وزراعة، بمعنى حولت الاقتصاد السوري من اقتصاد منتج إلى اقتصاد ريعي خدمي، وكانت قرارات تشجيع الزراعة والصناعة خجولة جداً، مقارنة بالقطاع السياحي على سبيل المثال، ويضاف إلى ذلك السياسات النقدية والمالية التي تحتاج إلى إعادة نظر، بدءاً من سياسات مالية تفضل جباية الأموال أولاً على حساب رعاية الإنتاج، وانتهاءً بالسياسة النقدية التي فشلت فشلاً ذريعاً في ضبط التضخم وضبط سعر الصرف، نتيجة إجراءات مخالفة لبديهية القوانين الاقتصادية، وأثرت بشكل سلبي في الإنتاج من جهة وعلى مستوى حياة المواطن من جهة أخرى.
وأوضح حزوري أن غلاء أسعار القوى المحركة وخاصة الكهرباء بشكل كبير لا يمكن مقارنته حتى بالأسعار العالمية، ورغم الأسعار المرتفعة للكهرباء، نلاحظ عدم توفرها بشكل دائم ومنتظم، وذلك يؤدي إلى خسائر كبيرة لبعض الصناعات أثناء إعادة التشغيل أو الإقلاع أو الإحماء، كالصناعات البلاستيكية أو صناعات الزجاج وغيرها، وكذلك ارتفاع أسعار حوامل الطاقة الأخرى، كالمازوت والفيول، وعدم توفرهما بشكل منتظم، مع صعوبة الحصول عليهما من السوق السوداء، رغم الأسعار المضاعفة.
وشدد حزوري على أن النزيف اليومي للعمالة الفنية والماهرة وللموارد البشرية التخصصية، وعدم وجود أي خطة حكومية لإيقاف هذا النزيف الخطر الذي يعتبر خسارة أكبر من خسارة الموارد الطبيعية بسبب التدهور المستمر لمستوى المعيشة وعدم قدرة الصناعيين عن دفع رواتب مغرية تواكب التضخم المستمر، يجعل المنشآت الصناعية فارغة من الخبرات والكفاءات، وتعاني عجزاً في اليد العاملة، مما يؤدي إلى توقف خطوط إنتاج بأكملها، كما يحصل حالياً في العشرات من الشركات الصناعية والزراعية.
وبيّن حزوري أن عدم القدرة على تصريف الإنتاج ولو كان بالحدود الدنيا، نتيجة ضعف القدرة الشرائية للمواطن السوري، بسبب ضعف الدخل، أدى إلى ضعف الطلب حتى على منتجات بعض المنشآت الصناعية التي تعمل بطاقتها الدنيا، وعدم القدرة على التصدير، نتيجة تكاليف النقل الكبيرة عبر الشاحنات وكذلك الرسوم التي تفرض على كل ناقلة أثناء عبورها لبعض الدول سواء أكانت باتجاه الأردن ودول الخليج أم باتجاه العراق، وبذلك تفقد المنتجات السورية تنافسيتها في الأسواق المصدرة لها، يضاف إلى ذلك الخسائر الناتجة عن تعهد إعادة القطع، نتيجة تسعير سعر الصرف بأقل من سعره في السوق السوداء، الذي على أساسه تحسب التكاليف.
ومن الأسباب التي أدت إلى حل بعض الشركات وانسحاب المستثمرين حسب حزوري هي الإجراءات المعقدة في استخراج إجازات الاستيراد وفي تمويل المستوردات، من المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج الأخرى، وحصر التمويل بشركة صرافة واحدة معتمدة، وتأخر التمويل لفترات طويلة، مما يزيد من التكاليف على المستورد، وسياسة تجفيف السيولة وتقييد حركة تحويل الأموال بين المحافظات وتقييد حركة السحب اليومي من المصارف، والإجراءات غير الاقتصادية التي تجرّم التعامل بالقطع الأجنبي، وخاصةً بعد صدور المرسوم 3 و4 لعام 2020، اللذين يحتاجان إلى إعادة نظر، وإصدار مرسوم عفو مالي.
وأضاف حزوري إنه من الملاحظ أن معظم رجال الأعمال الذين يخرجون من السوق هم رجال أعمال ينتمون لقطاع الاقتصاد الحقيقي كالصناعي والزراعي أكثر من بقية القطاعات الخدمية كالسياحة أو التجارة، وإن الإجراءات والقرارات الحكومية المتسرعة وغير المدروسة بشكل صحيح، لمعالجة الوضع الاقتصادي، أدت إلى تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي، وبالتالي انسحاب فئة ليس بالقليلة من رجال الأعمال من السوق السورية وإغلاق منشآتهم بشكل مؤقت أو دائم، أو عرضها للبيع أو تصفيتها، أو تركها تعمل بطاقتها الإنتاجية الدنيا.
وبين حزوري أنه وإضافة إلى ما سبق، هناك أسباب موضوعية خارجة عن إرادة الحكومة كالعقوبات الاقتصادية والنقدية، والظروف الدولية والإقليمية، والحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على الاقتصاد العالمي… إلخ، وظروف داخلية ناتجة عن الحرب وآثارها ونتائجها، من تدمير للبنية التحتية وفقدان للموارد الاقتصادية، وبقاء مساحة لا يستهان بها من أراضي الوطن، بثرواتها الطبيعية ومواردها، خارج سيطرة الحكومة ومحتلة من قوى إرهابية تحتاج إلى تحرير سواءً أكان بحل سياسي أم عسكري.