ويمتد موقع عين الفيل بين موقع “تل العريضة” وموقع بئر الهمل، ويعد من أهم المناطق التي استوطن فيها الإنسان القديم وفق ما نشر في المجلة العلمية “مهد الحضارات” التابعة لوزارة الثقافة، والتي تعنى بالبحوث الأثرية والتاريخية.
وأوضحت الأمين الرئيسي للمتحف الوطني بدمشق الدكتورة ريما خوام في مقابلة مع مراسلة سانا أن نتائج أبحاث فريق البعثة السورية السويسرية المشتركة العاملة في موقع الهمل المجاور الذي لا يوجد له تأريخ مؤكد، ويقدر عمره بمليون و300 سنة خلصت إلى توافق الطبقة المكتشفة في موقع عين الفيل مع تلك الموجودة في موقع الهمل، وبالرغم من ذلك فإن أقدم آثار إنسانية مكتشفة في سورية كانت بموقع عين الفيل المؤكد عمرها.
وبينت خوام أن تأريخ الطبقات القديمة يعتمد على البيانات الجيولوجية والتكتونية والباليومغناطيسية والحيوانية، حيث تتشابه صناعاتها مع الصناعات الحجرية المكتشفة في أفريقيا بالحقبة أولدوفاي قبل الحقبة المعروفة باسم حقبة ماتايوما المغناطيسية المعاكسة، وباجتماع هذه المعطيات يمكن تأريخ هذه الطبقة التابعة لحقبة الأولدفاي إلى نحو 1.8 مليون سنة خلت.
وقالت خوام: “إن موقع عين الفيل حمل عبر التاريخ أكثر من اسم، ومنها بئر حسن العنوزي أو عين الحميدية وعين الشيخ علي القادورية، وعرف بعدها بعين علي الشمالي، وهو الاسم الرسمي الذي دخل سجلات المديرية العامة للآثار والمتاحف، وعندما اكتشف أحد أعضاء البعثة عام 2003 بقايا لأسنان فيل، وبعض الحصى المصنعة موجودة بالردم أعطي الموقع اسماً جديداً وهو عين الفيل، الاسم الذي أصبح متداولاً عند المجتمع المحلي”.
ولفتت خوام إلى أنه في عامي 2008 و2010 جرى التقاط ما يقارب 800 قطعة، متضمنة أدوات حصوية وشظايا ونوى وقطعاً صوانية من داخل سبر بأبعاد 2 متر مربع، صنع أغلبها من الكدرات الصوانية الدائرية العائدة للعصر الطباشيري (الكريتاسي)، والعصر الإيوسيني (الإيوسين)، والمتأثرة بشكل كبير بالتجوية.
ويمكن تصنيف الحصى المصنعة إلى ثلاث مجموعات رئيسية (قواطع أحادية الوجه ذات حد قاطع غير منتظم)، و(أدوات تقطيع كلاسيكية كالقواطع ثنائية الوجه مع شظايا مستخرجة من وجهي الحصى)، و(قواطع ثلاثية الوجوه أو متعددة الوجوه مع عدد كبير من دمغات الشظايا المستخرجة تجعل بعض هذه القواطع وكأنها حراب منفرجة).
ووفق خوام يأخذ الموقع شكل تجويف يصل قطره إلى 20 متراً، وعمقه بضعة أمتار فقط يحيط به في الأعلى ردميات ناتجة عن حفريات قديمة للبحث عن بئر ماء، حيث يصل عرضه عند القاعدة إلى نحو 30 متراً، وقد حفرت البئر المركزية العميقة على ارتفاع 465 متراً عن سطح البحر، في طبقة كلسية شديدة التشقق تمثل حجر الأساس (القاعدة الرسوبية الجيرية) التي تشكل قاعدة بادية الكوم، وتتوافق الطبقات الجيولوجية للرسوبات الصخرية في البئر مع تلك التي وجدت في قاعدة موقع الهمل التي لم يوجد مثلها في أي مكان آخر حتى الآن.
وبينت خوام أن هذه الصناعات الحجرية تعد أقدم من مثيلاتها في موقع العبيدية في فلسطين والمنتسبة عملياً إلى فترة الآشولي الأدنى، وأقدم من صناعات الحصى المطروقة في موقع بركة رام في الجولان، ومن صناعات الحصى في موقع بئر الهمل المجاور التي تؤرخ نسبياً على ما يقارب مليون سنة، وبذلك يكون أقدم أثر لثقافة الحصى المطروقة الممتدة بين 1.8 و2 مليون سنة مضت، وتعد إحدى أقدم الصناعات التي عرفت في المشرق، والتي حدد عمرها من خلال التاريخ المطلق.
وخلصت خوام إلى أهمية دراسة هذه المواقع في فهم سلوكيات وطرائق حياة الإنسان في العصر الحجري ونمط حياته في هذه البيئة الصحراوية، وتسليط الضوء على قدم وجود الإنسان في هذه المنطقة.