ولعل بعض التجسيد العملي لهذا التفكير كان مسابقة "أفكار وألوان" التي أطلقها "جحجاح" منذ سنوات، داعياً إلى شراكة نبيلة مع المجتمع، وعلاقة مباشرة مع العائلة والتلاميذ والطلاب والمعلمين عبر جسر الفن والكلمة.
يقول صاحب صالة ألف نون للفنون والروحانيات شارحاً القصد والهدف من هذه المسابقة: "من أجل ذلك ولدت تلك المسابقة لتكون بوصلة وعي في زمن صعب، يقدم فيها المتسابقون لوحة ضمن محور معين مرفقة بجملة يكتبونها خلف اللوحة، تفيد الوعي بالتشارك مع المعلمين أو العائلة أو الأصدقاء، والغاية هي إيجاد اهتزاز نوعي في المجتمع للتعريف بقيمة الفن جهة الإبداع والجمال والفائدة، والابتعاد عن إلغاء الحصة الدرّسية للتربية الفنية واستبدالها بمادة أخرى، بالإضافة إلى القضاء على فكرة أن الفن لا يطعم خبزاً. في الوقت الذي تباع فيه الأعمال الفنية حول العالم بمبالغ طائلة. وبعد عملية تحكيم رسومات التلاميذ، يتم انتقاء المجموعة الفائزة من دون تحديد المستوى الأول أو الثاني… لأن غاية المسابقة هي التعاطي مع الفن كحالة وعي متصلة بين من ينتجونه، وترميم العطب الروحي الذي أحدثته الحرب" .
تتم المسابقة بالتنسيق بين صالة "ألف نون" ووزارة التربية ضمن مجموعة محاور وأفكار للمدارس والمعاهد، وفيها مكافأة مادية، (الابتدائي 40 ألفاً، الإعدادي والثانوي 75 ألفاً، والمعاهد 100 ألف)، وتوضح الأعمال ضمن "كاتالوج" يتم توزيعه على الطلاب، ليصبح بمثابة متحف متنقل يرى فيه الطلاب أعمالهم وأعمال زملائهم في محافظتهم وبقية المحافظات، وليشكل ذاكرة سورية لم تحصل من قبل، لتكون المسابقة بمثابة ثورة عاقلة ضد أي ثورة من نوع تهديمي، إذ ولدت من قلب التهديم، تجاه شيء تخييلي، لكنه بات حقيقياً.
وفيما يتعلق بلجان التحكيم فإنها تضم الفنان التشكيلي مع الصحفي مع الناقد مع الكاتب، وهي شراكة فكرية ما بين الشخصيات من أجل صياغة مجتمع سوي، تكاد آلة الحرب أن تحرف بوصلته الأخلاقية" والقول لجحجاح.
ويوضح صاحب كتاب “درويش من حبق” بأن الغاليريات تقيم معارض سواء تخص أفراد أو جماعات، أو تعمل على قضايا الاستثمار باللوحة، لكن صالة ألف نون منذ تأسيسها عام 2016 كانت لديها مجموعة مشاريع أهمها عملية التنمية من خلال الفن ومن خلال بناء جسور وعلاقات ضد القبح وضد الحرب التي فككت الناس وجعلت بنى التواصل صعبة، مشيراً إلى أن مسابقة "ألوان وأفكار" كانت بوابة أو مجموعة نوافذ تربط المجتمع السوري ببعضه من خلال مسابقة، تضم المجتمع بكل ألوانه وأفكاره، بكل معتقداته واتجاهاته، تبدأ من المدرسة والعائلة والطلاب، الغاية منها دخول الفن للمنازل والحوار والجدل من خلال الفن والأفكار، لتصبح ألوان وأفكار إشارة على أننا قادرون أن نرمم العطب الروحي الذي أحدثته الحرب من خلال أرشفة المشاعر والأحاسيس للطلاب وتثبيت الزمن من خلالها.
يقول جحجاح "اليوم المبادرة الفردية لفنان بأن يقتطع جزءاً من ماله السنوي، الناتج عن المبيعات التي يحصل عليها، ويسخره لشيء غير شخصي ويتقاسمه مع المجتمع هو عملياً من ضمن مبادئ الدرويش التي دائماً أتحدث عنها، فالدرويش يأخذ ويعطي، لذلك كان الدرويش بمثابة الشخص الذي يصنع الابتسامة ويشارك الآخرين بحب، خاصةً أنه منذ 100 عام لم يحمل أي فنان على عاتقه هذه الرؤية، حسب قول وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوح إلى جانب المطلعين على المشروع. وإن استمرارية المشروع في ظروف صعبة منذ بدايته وحتى الآن وتطور أفكاره ومفاهيمه وعلاقاته، هو ناتج صحي لمجتمع اليوم، فعند البداية كان كتالوج المسابقة تقريباً 100 صفحة، أما الآن فيتجاوز الـ 500، ليكون بمثابة ذاكرة للحرب بلغة أخرى، إذ يجمع بين صفحاته كل المحافظات وكل الطوائف وكل الأفكار، ويمكن القول إنه عبارة عن (سورية في كتالوج)، واليوم هناك عتبة فهم ووعي أطلقها درويش حبق، تعتمد على أن الجمال الجوهري ليس له علاقة بالمد العمودي وإنما بالبنية الأفقية للمجتمع كاملاً".
ويتابع "ألوان وأفكار هي عملياً مسابقة، لكن في جوهرها مختلفة بعض الشيء، فكل الأعمال المشاركة ستكون ضمن مقتنيات الدرويش الفنان الذي يجمع لوحات من كل السوريين، ويشتريها ليضعها ضمن متحف خاص سيكون جاهزاً خلال خمس سنوات، بمعنى أن مشروعنا ليس مؤقتاً، وإنما فيه بنية استدامة، ضمن مجتمع مشغول بلقمة العيش".
ويؤكد جحجاح أن وجود شخصية درويش حبق في مقابل الصورة النمطية للفنانين هي بوصلة لوعي تتم متابعته بدقة، لتغيير هذه النظرة تجاه الفنان، وحتى بين الفنانين فإن وجود بوصلة أخلاقية محبة ودودة تفتح أبوابها للجميع، ذلك يجعل الناس لديها أمل وترددات إيجابية تجاه الحالة الجمالية والفنية
المصدر: صحيفة تشرين