واليوم، تحل الذكرى 37 لاستشهاد رسام الكاريكاتير المبدع الفلسطيني ناجي العلي، المولود في قرية الشجرة الواقعة بين طبريا والناصرة بالجليل عام 1937، الذي اختار بعد انقطاعه عن التعليم النظامي السفر إلى طرابلس شمال لبنان ونال منها شهادة ميكانيك السيارات، ليلتحق بعدها بالأكاديمية اللبنانية عام 1960 لدراسة الرسم فيها مدة عام .
تعرض العلي للاعتقال من قبل العدو "الإسرائيلي" مذ كان صبياً، والسبب نشاطاته المعادية للاحتلال، فقضى أغلب وقته داخل الزنزانة يرسم على جدرانها، وفي لبنان اعتقله الجيش اللبناني أكثر من مرة.
شغف البدايات
لم تمر زيارة الكاتب الفلسطيني "غسان كنفاني" إلى مخيم "عين الحلوة" دون إحداث نقلة نوعية في حياة ناجي العلي، بعدما تعرف عليه وإعجابه برسوماته، التي نشر أحدها في مجلة "الحرية" يوم 25 أيلول 1961، وهي عبارة عن خيمة تعلو قمتها يد تلوح، مشكلةً البوابة التي عرفه الجمهور من خلالها .
قصد الكويت عام 1963، ليعمل محرراً ورساماً ومخرجاً صحفياً في "الطليعة" الكويتية، ثم "السياسة" الكويتية، تلاها العمل بصحيفة "السفير" اللبنانية في بيروت، وانتخب عام 1979 رئيساً لرابطة الكاريكاتير العربي، ليعود بعدها إلى الكويت للعمل في جريدة "القبس" وظل بها مدة عامين قبل أن يتم ترحيله، لينتقل بعدها إلى بريطانيا عام 1985 ويعمل في جريدة "القبس" الدولية.
أرشيف غني
قدم ناجي العلي خلال حياته كل ما في جعبته من إبداع، تاركاً قرابة الـ 40 ألف كاريكاتير، أشهرها "حنظلة" التي ظهرت للمرة الأولى عام 1969 بجريدة "السياسة" الكويتية في أعقاب "نكسة حزيران"، حيث مثلت طفل فلسطيني في العاشرة من عمره يعقد يديه خلف ظهره، ليغدو رمزاً للقضية الفلسطينية.
وعن حياة "حنظلة"، يروي ناجي العلي قصته بالقول إنه "ولد مع حرب الخامس من حزيران 1967، وهو بمثابة الأيقونة التي تمثل الانهزام والضعف في الأنظمة العربية ولد في العاشرة من عمره وسيظل دائماً في العاشرة من عمره، ففي العاشرة غادر فلسطين وحين يعود إليها سيكون بعد في العاشرة ثم يبدأ في الكبر فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء كما فقدان الوطن استثناء".
إلا أن القيود التي لاحقت "حنظلة"، دفعت بـ "ناجي العلي" بعد حرب تشرين التحريرية 1973 إلى تكتيف يديه، وحينما سُئل عن السبب أجاب "لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأمريكية في المنطقة فهو ثائر وليس مطبع".
وعن موعد رؤية وجه "حنظلة"، تحدث المبدع الفلسطيني "عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته".
لم يقف ناجي العلي عند شخصية "حنظلة"، بل تعداها لتكرار شخصيات أخرى رئيسية في رسومه، مثل شخصية المرأة الفلسطينية التي أسماها “فاطمة”، والتي تعتبر شخصية لا تهادن ورؤياها شديدة الوضوح فيما يتعلق بالقضية وبطريقة حلها بعكس شخصية زوجها الذي ينكسر أحياناً.
إضافة لشخصية السمين ذي المؤخرة العارية والذي لا أقدام له (سوى مؤخرته) ممثلاً به القيادات الفلسطينية والعربية المرفهة والخونة الانتهازيين، مع تناول حالة الرعب لدى الصهاينة، بشخصية الجندي الصهيوني طويل الأنف الذي في أغلب الحالات يكون مرتبكاً أمام حجارة الأطفال وخبيثاً وشريراً أمام القيادات الانتهازية.
الغائب الحاضر
لم تمر رسومات ناجي العلي دون محاسبة أو مراقبة، بل كانت السبب بالعديد من التهديدات له، نتيجة تحولها لرمز ثوري عربي يهدد العدو "الإسرائيلي"، لكنه لم يأبه لهذه التهديدات وظل مستمراً في نتاجه الفني الثوري، لحين انتهاء حياته بطلق ناري من مجهول في بريطانيا.
إلا أن "حنظلة" لم يمت، وعاد للظهور مرة أُخرى بعد عملية "طوفان الأقصى"، التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في 7 تشرين الأول الماضي، حينها حاول عشاق ناجي العلي استذكار "حنظلة" لرؤيتهم صنائع الشباب الفلسطيني الجديد، الذي أكد مجدداُ بأن الحق لا يموت، رغم الخيانة والتخاذل والصمت الدولي والتطبيع.
لخص الشهيد مسيرته النضالية عندما قال: "اسمي ناجي العلي .. أرسم .. لا أكتب أحجبة لا أحرق البخور ولكنني أرسم، وإذا قيل أن ريشتي مبضع جراح أكون حققت ما حلمت طويلاً بتحقيقه.. كما أنني لست مهرجاً ولست شاعر قبيلة.. أي قبيلة.. إنني أطرد عن قلبي مهمة لا تلبث دائماً أن تعود .. ثقيلة .. ولكنها تكفي لتمنحني مبرراً لأن أحيا".
المصدر: تلفزيون الخبر