ونشر وزير الخارجية الايراني عراقجي، نص كلمته التي كان من المقرر إلقائها يوم أمس عبر تقنية الفيديو كونفرانس في مؤتمر كارنيغي للسلام الدولي.
وجاء في نص كلمة وزير الخارجية الايرانية : "عندما وافقت على إلقاء الكلمة الرئيسية في مؤتمر كارنيغي الدولي حول السياسة النووية، لم تكن إيران والولايات المتحدة قد حددتا بعد موعداً للجولة التالية من المفاوضات، والتي من المقرر ان تبدأ على مستوى الخبراء يوم الأربعاء وعلى مستوى رفيع يوم السبت".
وتابع عراقجي: كما أكدت في خطابي المعد سلفا، فإن إيران لا تنوي التفاوض علناً، علاوة على ذلك، أوضحت أيضاً أن بعض مجموعات المصالح الخاصة تحاول التلاعب بالعملية الدبلوماسية وحرفها عن مسارها من خلال تشويه سمعة المفاوضين وتشجيع الحكومة الأميركية على تقديم أقصى المطالب.
وبيّن عراقجي إنني معتاد على الإجابة عن أسئلة الصحفيين الصعبة أو مخاوف المواطنين العاديين، ولكن تحويل الخطاب إلى جلسة مفتوحة للأسئلة والأجوبة إما أن يحوله إلى نقاش عام، وهو ما لا أرغب في قبوله، أو يجعله غير مريح للجمهور الذي من المرجح أن يبحث عن تفاصيل المفاوضات وإلى أين تتجه.
وتابع وزير الخارجية الإيراني، لذا أشعر بالأسف لأن المدعوين لم يكونوا على علم أو منتبهين لهذه الديناميكيات الحساسة.
وذكر عراقجي، بما أن الغرض من هذا التجمع هو مناقشة مستقبل جهود منع الانتشار، فإنني على ثقة من أن صناع السياسات المسؤولين يدركون جيدا أن الابتعاد عن الحوار والاتجاه نحو الصراع من شأنه أن يؤدي إلى تقويض نظام منع الانتشار العالمي أكثر بكثير من المساعدة في الحفاظ عليه. وأود أن أؤكد أنني لا أنوي الدخول في مفاوضات علنية.
واضاف عراقجي اركز باهتمام على شرح تفكير إيران واهدافها التي تسعى إلى تحقيقها، وهنا يجب الاشارة الى انه وباعتبارها أحد الأعضاء المؤسسين لمعاهدة منع الانتشار النووي في ستينيات القرن العشرين، فقد التزمت إيران دائما بمبادئ الوصول العالمي إلى التكنولوجيا النووية السلمية ورفض الأسلحة النووية.
وأكد وزير الخارجية: نحن الدولة الوحيدة في العالم التي اعلنت رسميا معارضتها حيازة الأسلحة النووية لأسباب أخلاقية ودينية، وقد تجلت هذه المعارضة بوضوح في فتوى صريحة لقائد الثورة الإسلامية والتي تعتبر هذه الأسلحة محرّمة شرعا. ولقد كانت إيران منذ فترة طويلة من أشد المؤيدين لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية (ومؤخرا منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل) في الشرق الأوسط.
وتابع عراقجي :في الواقع، لقد اقترحنا هذه الفكرة لأول مرة في عام 1974 مع مصر. ويظل هذا الهدف حجر الزاوية في سياستنا الخارجية، لأننا نؤمن إيمانا راسخا بأن القضية النووية هي قضية سلام في منطقتنا، وليس قضية كبرياء.
وأوضح عراقجي: من خلال غض الطرف عن الترسانة النووية للكيان الإسرائيلي وتجاهل رفض هذا الكيان الانضمام إلى معاهدة منع الانتشار النووي أو قبول مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، عملت الدول الغربية على تقويض نظام منع الانتشار العالمي بمعاييرها المزدوجة. لقد أصبحنا الآن في عام 2025، ويجب أن يتم وضع حد لسياسة المعايير المزدوجة.
وأضاف وزير الخارجية الايراني: تنبع جهود إيران للاستفادة من الطاقة النووية سلميا أيضا من أولوياتها طويلة الأمد بما يتماشى مع أهداف البلاد التنموية والاقتصادية. وفي الواقع، بدأت هذه الجهود في خمسينيات القرن العشرين بمساعدة برنامج "الذرة من أجل السلام" الذي أطلقه الرئيس الامريكي دوايت أيزنهاور. وبالتالي، ونظرا لأن السكان كانوا يعتمدون في السابق على الصناعات الكبيرة فقط، فإن تنويع مصادر الطاقة أمر حيوي لضمان المرونة الاقتصادية فضلا عن الاستدامة البيئية.
وتناول نص كلمة وزير الخارجية أيضاً الملف النووي الايراني، حيث كتب: للأسف، تم فهم برنامج إيران النووي السلمي بشكل خاطئ وتشويهه بسوء الفهم وعبر خلق سرديات مسيّسة. وبالتالي، أدى هذا الأمر إلى تشكيل سياسات خاطئة وفقدان الفرص للدبلوماسية ذات الجدوى. ومع ذلك، فإنني أعرب عن تفاؤلي الحذر في هذا الاتجاه السام قد يكون على وشك التغير، لانه وعلى مايبدو أن الرئيس الأمريكي يدرك الأخطاء الكارثية التي ارتكبتها الإدارات السابقة التي أنفقت تريليونات الدولارات من أموال دافعي الضرائب الأميركيين في منطقتنا، دون تحقيق نتائج تذكر للولايات المتحدة.
وأكمل عراقجي، لقد أظهرت إيران منذ وقت طويل أنها مستعدة للتعامل مع الولايات المتحدة على أساس الاحترام المتبادل والمكانة المتساوية، ويتضمن ذلك الاعتراف بحقوقنا باعتبارنا دولة موقعة على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، بما في ذلك الحق في إنتاج الوقود لمحطات الطاقة النووية لدينا.
وتابع عراقجي، وقد أوضحنا أيضا أنه ليس لدينا ما نخفيه، ولهذا السبب وافقت إيران، كجزء من الاتفاق النووي لعام 2015، على نظام التفتيش الأكثر شمولا الذي شهده العالم على الإطلاق.
وتابع عراقجي : وقد أدى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في عام 2018، بعد إعادة فرض العقوبات، إلى تعطيل هذا التقدم وتقويض الثقة التي تم بناؤها من جهة. وفي المقابل، وعلى الرغم من هذه النكسات، فقد أثبتت إيران مرة أخرى التزامها بالدبلوماسية. ولذلك، ومن اجل ان نتقدم للأمام، يجب أن تكون الأسس متينة، بحيث تعتمد كل عملية تفاوض على مبدأ التسوية المعقولة والعادلة. وعلى عكس ادعاءات بعض الجماعات المؤثرة، فإن إيران التزمت دائما بتعهداتها.
وأكد عراقجي على أن أفعال إيران تتحدث عن نفسها؛ إيران التزمت بتعهداتها في خطة العمل المشترك الشاملة المتمثلة بعدم السعي للحصول على أسلحة نووية، وقد أكد ذلك مؤخرا مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية علناً، مضيفاً وبما أن إيران ملتزمة بتعهداتها حتى بعد مرور سبع سنوات على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، فإن إيران جديرة بالثقة وستلتزم دائما بما توقع عليه.
ورأى ان الذين يزعمون خلاف ذلك إما أنهم جاهلون أو مضللون عمدا، مشيرا الى ان هناك مفهومين خاطئين مهمين آخرين لا بد من معالجتهما. اولا، من الواضح أن بعض المجموعات المؤثرة تحاول التأثير على العملية الدبلوماسية الحالية بين إيران والولايات المتحدة. وتتضمن جهودهم تقديم ادعاء كاذب بأن الاتفاق الجديد المحتمل سيكون مماثلا للاتفاق النووي.
وتابع عراقجي: على الرغم من أن الاتفاق النووي كان إنجازا مهما، الا ان الكثيرين في إيران يعتقدون أن الاتفاق لم يعد يلبي احتياجاتهم، و يريدون اتفاقا جديدا يضمن مصالح إيران ويأخذ في الوقت نفسه بعين الاعتبار مخاوف جميع الأطراف، كما انني شخصيا اؤيد هذا الطلب ايضا. لا أستطيع أن أتحدث باسم الرئيس ترامب الآن؛ ولكن بالنظر إلى أفعاله السابقة، يمكننا القول بثقة إنه لا يريد أيضا تكرار خطة العمل المشترك الشاملة.
وأضاف عراقجي في نص كلمته هذه: ثانياً، لم تمنع إيران مطلقا التعاون الاقتصادي والعلمي مع الولايات المتحدة، بل العقبة الرئيسية في هذا الصدد، كانت الإدارات الأميركية السابقة، التي كانت تتصرف في كثير من الأحيان تحت تأثير بعض المجموعات المؤثرة. وكما أوضحت مؤخرا على صفحات صحيفة واشنطن بوست، فإن الفرصة الاقتصادية التي تبلغ قيمتها تريليون دولار والتي توفرها بلادنا يمكن أن تكون مفتوحة أمام الشركات الأمريكية.
وأوضح وزير الخارجية الإيراني، ويشمل هذا الأمر، الشركات التي يمكنها مساعدتنا في توليد الكهرباء النظيفة من مصادر غير الهيدروكربونية، وتملك إيران حاليا مفاعلا واحدا نشطا فقط في محطة بوشهر للطاقة النووية. خطتنا طويلة الأمد هي بناء ما لا يقل عن 19 مفاعلا إضافيا، وهذا يعني أن هناك عقودا محتملة متاحة بمليارات الدولارات، وان السوق الإيرانية وحدها كبيرة بما يكفي لإحياء الصناعة النووية الأميركية المتعثرة.
واشار عراقجي إلى أنه إذا تم النظر إلى المستقبل، فإن أي اتفاق قد يتم التوصل إليه يجب أن يرتكز على حماية المصالح الاقتصادية الإيرانية، إلى جانب برنامج قوي للرصد والتحقق يضمن الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيراني. فهذا النهج، وحده قادر على تحقيق الاستقرار والثقة على المدى الطويل شرط ان يكون في نطاق واضح للمفاوضات أيضا وينبغي لهذه المفاوضات أن تركز فقط على رفع العقوبات والقضية النووية، لانه وفي منطقة مضطربة وغير مستقرة مثل منطقتنا، لن تتفاوض إيران أبدا على أمنها.
وفي نهاية هذا النص جاء: من المهم و بنفس القدر احترام الماضي الحضاري لإيران وهويتها الثقافية والسياسية التي خلقها تاريخنا القديم. وبالتالي، فان استخدام التهديدات والضغوطات ضد الشعب الإيراني الابي أثبت عدم فعاليته منذ سنوات ويغلق الطريق أمام المصالحة، على عكس التفاعل البناء المبني على الاحترام المتبادل والمساواة في المكانة الذي سيكون أكثر فعالية في بناء الثقة وتعزيز الحوار.
وتابع عراقجي:وأخيرا وليس آخرا، لا ينبغي لنا أن ننظر إلى إيران باعتبارها استثناء في إطار منع الانتشار النووي العالمي، لان ايران وباعتبارها دولة موقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي، تتمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها الأعضاء الآخرون، وتلتزم بنفس الالتزامات.
كما اوضح عراقجي ان الالتزام بمبدأ المساواة هذا أمر ضروري لتحقيق حل عادل ودائم. وعلاوة على ذلك، إذا كان نظام منع الانتشار العالمي يريد البقاء، فيتعين على جميع الأطراف، وخاصة الدول الحائزة للأسلحة النووية، الوفاء بالتزاماتها. لانه وفي المقابل، لا يمكن مواجهة التحديات المُلِحّة المُقبلة إلا من خلال المسؤولية المُتبادلة، وإيران مُستعدة للقيام بدورها في بناء منطقة أكثر أمانا، خالية من تهديد الأسلحة النووية.