من الواقع
يروي مدرّس مادة الرياضيات بإحدى مدارس محافظة طرطوس، ما يواجه خلال ممارسته مهنة التدريس للفتيات، مؤكداً أنه حتى اللحظة لا يعلم ما يدور في ذهن الطالبة من أفكار قد تكون محط انجذاب أو إعجاب أو حب بغرض الزواج أو غيره..
ويبرر مدرس الرياضيات حالة الاعجاب من قبل الطالبة للمعلم، بأنها ناتجة عن نقص في العاطفة الأبوية ضمن أسرتها أو بدافع محبة شخصية المعلّم أو شكله وأسلوبه.
وضمن هذا الجدل حول الظاهرة، يروي مدرّس الرياضيات تجربته قائلاً: تعرضت لمثل هذه النظرات والإيماءات التي كانت تصل بالغالب إلى الاعتراف بالحب والإعجاب، إلا أنني تمكنت وبكل مرة احتواءهن وتقدير مشاعرهن تجاهي والمسارعة في إظهار عدم تبادل الشعور لأقطع الطريق على من تريد الاستمرار أو ربما المراهنة.
إلا أن لهذا السلوك ظروفه وشروطه التي قد لا تتوفر لدى الغالبية، والدليل إنكار (مدرس لغة عربية) بإحدى مدارس محافظة اللاذقية، تعرضه لمثل هذه المواقف خلال سنوات عمله، مؤكداً التخبط الحاصل لدى الفتيات في سن المراهقة، التي لا بد من إعطائها الكثير من الحذر والاحتواء أيضاً.
كما استبعد مدرس اللغة العربية ميل الطالبة لحب أستاذ غير أنيق مثلاً، أو فظ، أو ربما يكون جدياً، مبيناً أنه من الضروري إدراك الجانب الذي أدّى لإعجاب الطالبة بأستاذها لمعرفة الأسلوب الأكثر جدوى لمعالجة الموقف، إذ أن الأسباب تتعدد وتتشابك، وغالباً ما يكون هناك مسببات نفسية أو فقدان عاطفي في حياة الطالبة الأسرية، بالتالي تقع على عاتق المعلّم مسؤولية لاحتواء الحالة وتخطّيها بطريقة مدروسة.
لكن ماذا عن علم النفس!! وما تفسيره لهذه الظاهرة.؟؟
ضمن البحث في هذه الحالة وطرق تجنب الطالبات بهذه الفئة العمرية الآثار السلبية لهذه المشاعر على بنيانهن الوجداني، وعن دور المعلم والأسرة في ذلك، أوضح اختصاصي علم النفس الصحي، والأستاذ في كلية التربية بجامعة تشرين، الدكتور فؤاد صبيرة، أن حالة الإعجاب تعد المرحلة الأولى من التعلّق بالمعلم لدى الطالبات، ومن ثم يأتي العشق والحب له، وقد يتطوّر لدرجة الإدمان، إذ تبدأ بالهيام والتفكير والحديث عنه لساعات طويلة خلال اليوم.
وعن تطور الحالة، يبين صبيرة أن الطالبة قد تُبدي الرغبة بقضاء الوقت بسرعة ليتسنى لها رؤية أستاذها من جديد، الأمر الذي قد يؤثّر على استجاباتها الانفعاليّة والمعرفيّة، ممّا يؤثر لاحقاً على نفسيتها ومن ثم تحصيلها الدراسي.
هنا تبدو الحاجة برأي الاختصاصي النفسي التنبه لهذا الأمر، والبدء بالتواصل مع المعلّم وإخباره بشكلٍ صريح بتعلّق وعشق الطالبة له، والطلب منه مساعدتهم في ضبط الحالة ومساعدة ابنتهم على تجاوز تلك المشاعر، دون أن تترك آثاراً سلبية على بنيانها الوجداني.
مرجعاً أسباب هذه الظاهرة للتبلد العاطفي وضعف الاستجابة الانفعاليّة من قبل الأهل أو غياب الأب لسبب أو لآخر، ممّا ينتج عنه فقد الفتاة للمشاعر الأبوية، بالإضافة إلى أشكال القمع ومصادرة آراء الأبناء وعدم السماح لهم بالتعبير عن مشاعرهم وأحاسيسهم.
ناهيك عن المفرزات السلبية التي تتلقاها الفتيات من تقنيات العالم الافتراضي أثراً سلبياً أيضاً، يتمثل في تهييج وتقليب عواطفهن ومشاعرهن بشكلٍ يُخالف مسارها الصحيح.
العلاج بالحوار
للأم دور كبير في معالجة هذه الظاهرة، من خلال الحديث الإيجابي مع الابنة دون لوم أو توبيخ لميولها العاطفية، وفق توصيات الاختصاصي صبيرة، لكون الهدف من النقاش هو تلافي الإصابة بصدمة عاطفية وجدانية ينتج عنها أعراض سلبية على مستوى الفكر والسلوك.
بالمقابل، يؤكد صبيرة أن للأب دور مهم ومركزي أيضاً في مساعدة ابنته، من خلال الحديث اليومي والمتواصل معها، وإخبارها باستمرار بأنه الداعم والمساند لها في كل زمان ومكان، كي تشعر بالأمان والطمأنينة والتعويض، ممّا يعزز ثقتها بنفسها أكثر، وقد يكون ذلك من خلال الخروج المتكرر معها من وقتٍ لآخر.
مع الإشارة إلى ضرورة ملئ أوقات فراغ الابنة بالأنشطة والهوايات المتنوّعة، ممّا يعوّضها ويخفف بشكلٍ تدريجي من انشغالها بالتفكير بمعلّمها.
وفي توصيفه لنظرة علم النفس إلى ظاهرة إعجاب البنات بالمعلم، يضيف صبيرة: تعد من علامات التطوّر النمائي النفسي والعاطفي، إذ تشكّل كل فتاة في فكرها وخيالها أنموذجاً للرجل أو الشريك المثالي المستقبلي، ومن ثم إسقاط هذا التصوّر على الرجال الذين يتواجدون في محيطها الاجتماعي أو الافتراضي.
المصدر: تلفزيون الخبر