هذا، ومن أبرز نقاط الضعف المتعلقة بأداء شركات التأمين، اقتصار حجم أعمالها على أرقام ضئيلة سنوياً، من دون التحرك لمواجهة هذا الأمر على مدار السنوات السابقة منذ تحرير القطاع، لتحقيق أية نقلات نوعية في حجم العمل وإجراء تحولات جذرية في سياساتها وأدائها ومنتجاتها، الأمر الذي أبقاها في موقف تنافسيّ ضعيف، وهذا ما يبرز جليّاً باعتماد أغلب الشركات على التأمينات المضمونة التي لا تتطلب أيّ جهد في التسويق، مثل التأمين الإلزامي للسيارات، الذي يشغل المرتبة الأولى بين فروع التأمين في أغلب السنوات، وهذا دليل صارخ على سوء توزيع المحفظة التأمينية في السوق.
كما أنَّ تركّز جلّ أقساط التأمين في فرعين فقط، (إلزامي السيارات والصحيّ) يُعدّ من أبرز مكامن الخطر على شركات التأمين، ذلك أنَّ فرعي تأمين السيارات الإلزامي والصحيّ، من الفروع التي تتميز بسرعة سداد التعويضات فيها (معدل تكرار حوادث عالٍ) ونسب ربح منخفضة جداً، أي أنَّ معدل الخسارة مرتفع، وغالباً ما يتجاوز 90%.
يترافق ذلك أيضاً مع سيطرة الأفكار والممارسات الكلاسيكية على العمل في سوق التأمين رغم مضي أكثر من 13 عاماً على تحريره، إذ توصف أغلب الممارسات التأمينية بالتقليد الحرّفي لمنتجات التأمين المعروفة في العالم بأبسط صورها، وقد بلغ هذا التقليد حدّ التخلي عن أبسط قواعد ومقوّمات العمل التأميني، رغم أن بنية الاقتصاد السوري تجعل منه بيئة ملائمة لعمل قطاع التأمين وتطوره، وقد كشف تحليل نتائج أعمال الشركات أن عملها يدور ضمن حلقة واحدة من الأعمال (الأخطار) التأمينية، بحيث تتنافس على رقم يكاد يكون ثابتاً من العقود، دون الولوج في تجارب جديدة ومنتجات تأمينية تستطيع لفت الانتباه.
أمام هذا الواقع لسوق التأمين، تقدّم الدراسة عدّة مقترحات للحدّ من نقاط الضعف، وتفعيل دور التأمين ومساهمته في الاقتصاد، ومن أبرز هذه المقترحات، زيادة الحدّ الأدنى لرأس مال شركات التأمين، بما لا يقل عن عشرة أضعاف، ووضع مُحفزات للاندماج بين الشركات، حيث تخلو التشريعات الحالية من المُحفزات (الضريبية وسواها) في حال اندماج الشركات، إضافة إلى تشريع بإمكانية الترخيص لشركات تأمين متخصّصة بأنواع تأمين محددة (كتأمين الحياة والصحي)، وتعديل الأنظمة الحالية المتضمنة أسس استثمار أموال شركات التأمين، بحيث تُلزَم الشركات بتوزيع قنوات استثمار أموالها، وعدم الاستمرار بتركيز هذه الاستثمارات في المصارف، والبدء بطرح منتج تأمين الائتمان، وبخاصّة تأمين القروض المصرفية، وبدء العمل بالتأمين الزراعي.
إضافة إلى إعادة هيكلة المؤسسة العامة السورية للتأمين لتكون قائداً للسوق التأمينية ومنظِّماً لأعمالها، بما فيه مصلحة الشركات كافة، وتنفيذ الرؤية الحكومية لهذا القطاع، وضرورة أتمتة أعمال المؤسسة العامة السورية للتأمين بإنشاء نظام مؤتمت خاص بها يحاكي الأنظمة الموجودة في شركات التأمين العالمية الكبرى، وتطوير التشريعات الخاصة بالمؤسسة، بما يؤمن للمؤسسة مرونة أكثر وفاعلية في العمل.
واقترحت الدراسة تفعيل دور هيئة الإشراف على التأمين لتشكّل مظلة الإشرافِ الوحيدة على مكونات القطاع كافةً دون استثناء، ذلك بوساطة تركيب نظام ربط الشركات ونظام التحقّق والرقابة، ودعمها بالكوادر المتخصّصة، وتوسيع دورها لتشمل الرقابة والإشراف على كافة مكونات القطاع التأميني دون استثناء، بالإضافة إلى توسيع صلاحياتها ليشمل القدرة على التدخل والمعالجة، بوساطة نظام ربط الشركات ونظام التحقق والرقابة وأتمتة أعمال الهيئة، والانتقال من الرقابة اللاحقة إلى الرقابة الآنية.
إضافة إلى البدء بإقامة تجمعات تأمينية لتقاسم المخاطر كمخاطر التأمين الهندسي والحريق والصحي وغيرها، ودعم هذه التجمّعات بشكل كبير توفيراً للقطع الأجنبي الذي يتم تحويله للمعيد الخارجي، والتواصل مع الجهات الرسمية التي يتداخل عملها مع عمل شركات التأمين لتنظيم العلاقة معها، ووضع أسس للتعاون (القضاء – وزارة الصحة – الطب الشرعي… إلخ).