وعلى الرغم من الجهود الجبارة التي بذلتها وتبذلها المؤسسات الثقافية الحكومية ذات الصلة، فإن حجم الدمار الكبير الذي طال معظم المدن الأثرية السورية وأسواقها القديمة، أظهرت حاجة أساسية إلى الجهود المجتمعية التشاركية للمنظمات والشركات بهدف الحفاظ على طابعها التاريخي واستعادتها بأسرع وقت ممكن.
وتعد مدينة حلب التاريخية إنموذجاً لما يمكن للإرهاب أن يفعله في تاريخ الشعوب وتراثها، إذ مالم تستطع الكوارث أن تفعله عبر التاريخ الطويل للمدينة، تمكن الإرهاب من فعله.
بدأت عدة مؤسسات من المجتمع المحلي، ومنها شركة (رحى للمدن القديمة)، تقوم بدورها المجتمعي كإحدى الجهات الرديفة للمؤسسات الحكومية ذات الصلة بالمشهد الثقافي في مدينة حلب، للحفاظ على تراثها بشقيه المادي واللامادي، من خلال الأنشطة المتنوعة التي تقوم بها.
وبدأت (رحى) وهي إحدى شركات (مجموعة قمح)، انطلاقتها في شهر تشرين الأول من العام 2020، وتضم عدداً من الأقسام ذات العلاقة بأنشطتها الثقافية بينها (قسم التراث اللامادي وقسم البحوث الأثرية وقسم الدراسات المعمارية وقسم المشاريع الهندسية).. وتختص (رحى) بالمدن القديمة ترميماً وتوثيقاً لتراثها المادي واللامادي لنسيجها العمراني.
وقال الاستشاري العام في (رحى) الآثاري أحمد الغريب، لـ”تشرين”: إن فريقاً علمياً مدرباً يتألف من آثاريين ومهندسين مدنيين وعمارة وباستخدام أحدث البرامج الهندسية بتوثيق العديد من المواقع الأثرية والتاريخية في حلب وعدد من المدن السورية كدمشق واللاذقية وطرطوس وحمص، وذلك بهدف إعداد قاعدة بيانات لهذه المواقع الأثرية.. ولفت الغريب إلى أعمال التوثيق التي قامت بها “رحى” في مدينة حلب والتي شملت الأسواق التاريخية في المدينة وقلعة حلب وحي البياضة وحي الجلوم، وأيضاً تم توثيق المباني الدينية وعدد من كنائسها، مؤكداً أن العمل لايزال مستمراً ليشمل أحياء حلب القديمة جمعيها.
ولم يقتصر اهتمام (رحى للمدن القديمة) على التوثيق فقط بل قامت بإعداد زيارة افتراضية للقلعة والأسواق التاريخية في مدينة حلب القديمة، كما عملت وبالتعاون مع مؤسسة (جديل) للخدمات الثقافية والإنسانية على فتح الطرقات في الأسواق والأزقة في حلب القديمة عقب زلزال شباط عام 2023، وأيضاً قامت بتوثيق الأضرار التي طالت قلعة حلب إثر الزلزال الأخير، ومن ثم التعاون مع المديرية العامة للآثار والمتاحف و منظمة (اليونسكو) لتقييم هذه الأضرار.
وأشار الغريب إلى أن (رحى) قامت بتوثيق العديد من الحِرف التراثية في حلب كصناعة الصابون والأرابيسك والتنجيد وغيرها، وفي دمشق قامت بتوثيق صناعة السيف الدمشقي ونفخ الزجاج والزجاج المعشق وغيرها، وذلك بغية إعداد قاعدة بيانات لهذه الحِرف التقليدية السورية للحفاظ عليها.
وأشار الغريب إلى ترميم عدد من الأسواق القديمة في مدينة حلب (كسوق الأحمدية والحبال والبنية التحتية لسوق الحدادين وحالياً سوق المحمص)، فضلاً عن عدد من الترميمات لأبنية متنوعة في المدينة، وجميع هذه الأعمال تتم بالتعاون مع جهات رسمية ومجتمعية.
كما تقوم (رحى) بأنشطة إعلامية من خلال صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال مقالات وأبحاث وفقرة (سلسلة وحدن) تتضمن لقاءات تصوير مرئية لقامات ثقافية كان لها أثر كبير في المشهد الثقافي السوري، كما تمت استضافة شخصيات عالمية كالبروفيسور الألماني كاي كولماير مكتشف معبد (حدد) في قلعة حلب وغيره، وقمنا بتصوير سلسلة ثقافية للعّلامة محمد قجة، وسلسلة مع الباحث عبد الله حجار.
وأوضح الغريب أن هناك تعاوناً وثيقاً بين (رحى للمدن القديمة) ومؤسسسة (جديل للخدمات الثقافية والإنسانية) حيث تم إجراء عدة ورشات علمية تفاعلية مع كلية العمارة وقسم الآثار بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة حلب وجامعة الاتحاد وجامعة إيبلا الخاصة، وكانت الغاية من هذه الورشات تدريب الطلاب نظرياً وعملياً من خلال المحاضرات النظرية والجولات الميدانية على مواقع الترميم التي نُفذت وتُنفذ في مدينة حلب القديمة، إلى جانب زيارة العديد من المواقع الأثرية في المدينة القديمة كالمباني الدينية من جوامع ومساجد وتكايا ومبان تجارية كالخانات والأسواق التاريخية، ما يسهم في زيادة الخبرات العلمية لدى الطلاب.
كما قامت (رحى) للمدن القديمة بطباعة كتابين للعلامة محمد قجة: “حلب في كتاباتي وقصائدي” و “أعلام معاصرون”، وذلك دعماً للتراث الثقافي السوري، كما أطلقت شركة “رحى” ومؤسسة “جديل” مسابقة للأبحاث الثقافية التي تعنى بالتراث الثقافي السوري، وتم رصد مكافآت عينية للفائزين الثلاثة الأوائل، وذلك من أجل تحفيز الباحثين السوريين للاهتمام بالتراث
الثقافي السوري وسيتم إعلان النتائج ضمن حفل رسمي.
يشار إلى أن مجموعة (قمح) تضم عدداً من الشركات الرائدة العاملة في مجالات الإنشاء وإعادة تأهيل المدن والأوابد التاريخية والسياحية والاستثمار والتطوير العقاري وفي دعم ثروات البلاد وتنميتها.
المصدر: صحيفة تشرين