نشأت “عادلة” في بيت يحترم الفكر ويقدّس النضال الوطني. تفتح وعيها على معاني الاستبداد والطغيان، والحريّة والكرامة. تعرّفت على مفكرين وطنيين قارعوا الطغيان العثماني عبر جمعياتهم الوطنيّة، وكان أكثر من أثرّ في مسيرتها هو “محمد جميل بيهم” عضو “المؤتمر السوري” عام 1920، الذي تزوّج لاحقاً من الرائدة النسويّة والوطنيّة “نازك العابد”. كان “محمد جميل بيهم” نصير المرأة، والمدافع الشرس عن حقّها في التعلّم والتقدّم، فأدركت الشابة “بيهم” من خلاله مدى السوء الذي خلّفه الاستبداد العثماني، ومدى التخلّف المُجتمعي بشكل عام، وأثره على المرأة بشكلٍ خاص. فعمدت، وهي لا تزال في السادسة عشرة، للعمل متطوّعة مع الجمعيّات السريّة من أجل تقديم الدواء والكساء للفقراء والمنكوبين.
آمنت السيدة “بيهم” بأنّ الجهل والأميّة آفتان مجتمعيتان لا بدّ من القضاء عليهما. وبضرورة تحلّي الفتاة العربية بالقيم والأخلاق السامية، قيم الحق والخير والجمال، وعدم تخلّيها عن هذه القيم في سعيها لتحقيق التحرّر والمساواة، فكان أن وضعت نصب عينيها تحقيق هذا الهدف.
بدأت مع رفيقات لها عام 1915، بتأسيس جمعيّة “يقظة الفتاة العربية”، الهادفة إلى إيقاظ الوعي القومي العربي للفتاة العربية، وإلى محاربة الجهل ونشر العلم، خاصّة بين أبناء الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة. فيما بعد، اشتركت مع زميلاتها أيضاً، في تأسيس جمعيّة “الأمور الخيريّة للفتيات العربيات”، مع ناديها ومدرستها، وتطوّع أعضاء الجمعيّة للتدريس فيها.
ترأست “عادلة بيهم” عام 1916 لجنة تشرف على دار الصناعة، والتي تتولى تقديم وجبات مجانية لحوالي 1800 عاملة في صناعة الغزل والنسيج والأشغال اليدوية. ثمّ شرعت بكتابة المقالات المنادية بالحريّة والكرامة، والداعية إلى الاستقلال عن الحكم العثماني، في صحيفتي “المفيد” و”الفتى العربي”، بتشجيع من المناضل “عبد الغني العريسي” الذي أعدم شنقاً مع رفاقه في 6 أيار، وكانت توقّع مقالاتها باسم “الفتاة العربية”. واستمرّت بعد التحرّر من الاحتلال العثماني بنشر مقالاتها التي تخاطب المرأة السورية لتوقظ الوعي القومي لديها وتزوّدها بالمعرفة، وتطالبها في الوقت ذاته، بالتمسّك بالاستقلال ورفض الانتداب.
تزوجت “عادلة” من “مختار” نجل المناضل المعروف “عبد القادر الجزائري” قبل بلوغها السابعة عشرة، وأنجبت منه ولدين “أمل” و”زين الدين”، إلاّ أنّ ذلك لم يحل بينها وبين النضال من أجل حريّة بلدها واستقلاله؛ إذ ثابرت على دعم كلّ أشكال المقاومة، السريّة منها والعلنيّة، فكتبت في الصحافة باسمها المستعار مندّدة بالاستعمار الفرنسي، وشاركت في المظاهرات عام 1925، واهتمّت بأسر المعتقلين والملاحقين، حتى إنّها شكلت من خلال الجمعيات السريّة “لجنة خاصّة لمساعدة أسر الثوار.
أسّست مع زميلاتها عام 1927، جمعية “يقظة المرأة الشامية”، لتشجيع المرأة العاملة وخاصة في الريف، كما دعت إلى إحياء الصناعات اليدوية وضرورة تطويرها.
كذلك أسهمت عام 1928، في تأسيس جمعيّة “دوحة الأدب” باعتبارها جمعية أدبية اجتماعية، لتنهض بواقع المرأة عماد المجتمع. وافتتحت “معهد دوحة الأدب” الذي رفضت الحكومة الفرنسية منحه الترخيص، ليكون أوّل مدرسة نموذجيّة أهليّة مستقلة لا يتبع لسلطة الاحتلال ولا لطائفة أو بعثة أجنبية. وسعت من خلاله إلى نشر العلم بين الفتيات، ودعوتهن إلى المشاركة في الحياة العامّة والمساهمة في تطوير الواقع والثقافة لمجتمعهن، وقد تولّت السيدة “عادلة بيهم الجزائري” إدارته وهي في الثانية والعشرين من العمر، وبقيت في هذا المنصب حتى غيبها الموت عام 1975.
استعان المعهد بأفضل المدرسات والمدرسين، واشتملت برامجه على دروس في التربية والآداب الاجتماعية والسلوك والفنون التراثية. وأولى عناية خاصّة للموشحات الأندلسيّة ورقص السماح، وقدّمت طالباته العديد من الحفلات الناجحة في البلاد العربية وإفريقيا.
كما ساهمت مع زميلاتها عام 1933، في تشكيل نواة “الاتحاد النسائي السوري”، الذي بدأ بثلاث جمعيات ليتطوّر العدد إلى أربعة عشر جمعيّة، وانتخبت “بيهم” رئيسةً له. وبقيت في هذا المنصب حتى عام 1967، إذ غدت رئيسة فخرية. فكان الثاني في المنطقة بعد الاتحاد النسائي المصري 1923 بقيادة “هدى شعراوي”.
من خلال الاتحاد النسائي السوري آنذاك ساهمت السيدة “بيهم” في محاربة الأميّة ونشر العلم، وناضلت مع زميلاتها من أجل تحرّر المرأة ومساواتها ومنحها الحقّ في الانتخاب والترشّح إلى المناصب السياسيّة. وقد نجحن في انتزاع هذا الحق، فبدأن العمل على تعديل قانون الأحوال الشخصيّة عبر تقديم مذكرات لرؤساء الجمهورية وللنواب في البرلمان، يطالبن فيها بضرورة إفساح المجال أمام المرأة لتتبوأ مناصب قضائيّة وتنفيذيّة، وبضرورة مساواتها مع الرجل في الأجور والحقوق التقاعديّة بعد الوفاة.
لم تقتصر نضالات السيدة “بيهم” على الشأن الداخلي بل تعدّتها إلى المحيط العربي والدولي، حيث أسهمت في إطلاق “الاتحاد النسائي العربي العام”، ومثّلت سوريا في لجنة “حقوق المرأة” التابعة للأمم المتحدة أكثر من مرة.
من رفيقات دربها ابنتها “أمل جزائري هواش” ساعدها الأيمن ورفيقتها في كل محطات حياتها. ثم هناك السيدة “نازك العابد”، “بديعة أورفلي”، “جيهان الموصلي”، “ريمة كرد علي العظمة”، “سعاد حلبي”، “ألفت إدلبي” وأخريات كثر.