يبدو أن الصدمة لم تكن غير متوقعة، بل جاءت نتيجة جهل الجميع للأسماء المطروحة، ليبدو حال المعلقين مفاجئاً أكثر، ممن وصفا صانعي المحتوى غير المعروفين للغالبية بـ "خفيفي الدم".
أما اليوم يبدو السؤال الأهم هو .. أين نحن أهل الصحافة من ذائقة جمهور شباب اليوم أو شريحة منه على الأقل؟ وكيف يعجب هؤلاء ب "اسكتش" لا هو بالناقد ولا بالساخر، لا فيه ترميز الماغوط ولا كاركترات قلعي ولا وخزات ممدوح حمادة، أو بالأدق لا نص موجود بالأصل، ولا شخصيات ولا بنيان درامي، مجرد سرد لقفشات لا رابط بينها، وهي في أحسن الحالات تقليد سيئ لتجربة فادي غازي المتواضعة أصلاً.
كوميديا هابطة
عندما تصبح صناعة المحتوى منحدرة لهذه الدرجة، وعندما تنساق معها أذواق شريحة واسعة من الجمهور، فإن الكوميديا السورية التي بزّت الجميع ونافست المصريين أنفسهم هي في اضمحلال، بلا سبب مقنع ولا جوهري سوى أن بعض الشباب معدوم الموهبة والمحب للشهرة، وجد في مواقع التواصل الاجتماعي منبراً ليعرفه الناس ثم ليحقق الإعجابات، وبعدها يبني ثروة، وزوادته الوحيدة جمهور يستخدم الجوال بقصد الترفيه والتسلية، وكلما كان ما يشاهده أكثر سطحية كلما كان أفضل، فهو لا يريد أن يوجع دماغه بقضايا كبيرة ولا حتى صغيرة، ولا يريد أن يفكر ويستنتج ويربط، يريد مادة بسيطة يشاهدها ثم ينساها بسرعة لأنه سوف يشاهد بعدها عشرات المواد المشابهة.
تسويق إلكتروني
إلا أن الأكثر دهشة من ذلك، أن جميع الدورات ملأت فضاء الأنترنت في صناعة المحتوى من بينهم الكوميدي، وهكذا ببساطة يصبح الشاب لا ممثلاً كوميدياً فحسب، بل كاتب ومخرج ومنتج أيضاً، ما دام يصور نفسه في اسكتش ليعرضه على الناس وبكل سهولة ويسر، من دون أن يجد نفسه مضطراً لأن يقرا ملاهي أرسطو فان وشكسبير وموليير، ولا يستعيد أعمال شارلي شابلن وكارل راينر، ولا أن يسمع بليونيد غايداي وراج كابور، ولا يطلع على ادوار روان اثكنسون وجون كيري، ولا حتى يشاهد أعمال عادل إمام ودريد لحام.
بهذه الطريقة، يروج العالم الافتراضي لنجومه، ليفرض بعدها على جمهوره أسماء لا تمتلك الموهبة ولا الثقافة ولا المعرفة، ليبقى السؤال الأهم اليوم.. من هو عرّاب الكوميديا في سورية؟!، (عبد اللطيف فتحي- حكمت محسن- نهاد قلعي – محمد الماغوط – دريد لحام – ياسر العظمة – أيمن رضا)، أم إن هناك من يريدنا بلا جذور ومن غير ماض عريق يستنهض الجميع للارتقاء، ويروج لأسماء لم نعرف "قرعة أبوها" أتت من أين؟!!
المصدر: صحيفة تشرين