كلمة مكتب باللغة لتركية تعني المدرسة أما "عنبر" هو اسم صاحبه «يوسف عنبر» الذي صادرته منه الدولة العثمانية لقاء دين لها عليه حيث كان بمثابة المكتب السلطاني حتى العام 1921، ثم تحول إلى مدرسة ثانوية (التجهيز) في أربعينيات القرن الماضي ثم مدرسة للفنون النسوية وفي عام 1974 تم ترميمه وافتتح على أنه قصر للثقافة العربية ومنذ عام 1988 مقراً لمديرية دمشق القديمة التي تعنى بكل ما يتعلق بالمدينة القديمة داخل السور.
الموقع والوصف:
يقع في أحد منعطفات الشارع المستقيم أو شارع سوق مدحت باشا الذي تتناثر حوله الحواري يمنة ويسرة، إذا نظرت إليه، أحسست بقدمه وعراقته، وإذا سرت فيه ستوصلك هذه الحارات العتيقة لتصل شمالا إلى سوق الحميدية، أوجنوبا إلى شارع البدوي فالسويقة وتستوقفنا بعد سير مئة متر بوابة كبيرة من صفائح وقضبان الحديد، وإلى جانبيها نافذتان، وفي أعلى الباب لوحة رخامية كتب عليها "مكتب إعدادية ملكية"، وهو الاسم القديم لمكتب عنبر قصر الثقافة الشعبية.
يعد مكتب عنبر من أجمل البيوت الدمشقية القديمة التي لم يطرأ عليها أي تغيير نتيجة العوامل الطبيعية والبشرية، وهو يعد صرحاً حضارياً هاماً، ومركزاً تعليمياً رائداً كان له أثر كبير في النهضة العلمية والثقافية في دمشق، وقد تخرج منه أبرز وأهم من تقلدوا المناصب في دمشق وبيروت وهو الآن مقر لجنة حماية مدينة دمشق القديمة وفيه مركز البوابة الالكترونية لخدمة الاحوال المدنية، وسُمِّيت المنطقة التي يقع فيها باسمه نظرًا لأهميته، كما صدر فيلم مكتب عنبر ضمن سلسلة الأفلام الوثائقية «بصمة مكان» التي قدّمت بمناسبة احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية.
كان مكتب عنبر مدرسة تنتهي بالصف التاسع فقط، ووضع عليها كلمة (مكتب إعدادية ملكية) للتفريق بينها وبين المدارس العسكرية، فقد كانت هناك (المدرسة الابتدائية الرشدية العسكرية) وكان مقرها في البحصة، ومدرسة (إعدادي عسكري) وكان مقرها جامع دنكز.
مكتب عنبر في العهد العثماني:
تم افتتاح مكتب عنبر 1887ـ 1888م، وكان اسمه (مكتب إعدادية ملكية)، وكانت الدراسة فيه تصل إلى الصف التاسع فقط.
مكتب عنبر في عهد الدولة التركية:
وعندما بدأ زعماء الاتحاد والترقي في استانبول بتنفيذ سياسة التتريك، غدت اللغة التركية اللغة الرسمية في جميع دوائر الدولة، فأكملت الحكومة التركية صفوف المكتب إلى الصف الحادي عشر، فغدا ثانوية كاملة وأصبح اسمه "سلطان مكتبي"، وصار جهازه الإداري وجميع أساتذته من الأتراك.
ويذكر أن جمال باشا السفاح، بعد أن أعدم الثوار في ساحة المرجة بدمشق وفي بيروت، قام بتحد للشعور العربي فزار (سلطاني مكتبي)، أي مكتب عنبر، ووقف في شرفة الطابق الثاني المطلة على الباحة وقفة الجبار المنتصر، وكان الطلاب قد اجتمعوا في الباحة لتحية العلم التركي وتحية السلطان، وكان مدير المكتب قد أنذر الطلاب قبل مجيء السفاح، إذ قال لهم باللغة التركية: ((إن كل من يتجرأ ويرفع رأسه إلى الأعلى وينظر إلى حيث يقف الباشا؛ سوف يكون مصيره مثل مصير من علقت أجسادهم في ساحة المرجة)).
مكتب عنبر في العهد العربي “عهد الملك فيصل”
بعد جلاء السلطة التركية عاد الوجه العربي إلى البلاد، وأطلق على مكتب عنبر اسم (مدرسة التجهيز ودار المعلمين) بدلاً من سلطاني مكتبي، وتم اختيار أساتذة عرب للتدريس فيه، فقاموا بإذكاء الروح العربية وبعث التراث العربي في صفوف طلاب مكتب عنبر، ولم يبق من آثار التركية في مكتب عنبر سوى كاظم آغا؛ حارس المكتب، ورجب آغا؛ نجار المكتب، وشاكر آغا؛ طباخ المكتب.
مكتب عنبر في عهد الاحتلال الفرنسي:
أما في عهد الاحتلال الفرنسي فقد كان لمكتب عنبر الفضل الأكبر في بث روح الوطنية في صفوف المواطنين السوريين؛ فقد كان أول من نبه إلى مأساة فلسطين، وأعلم الناس من هو بلفور، وفي العام 1935م، انتقت وزارة المعارف مجموعة من المعلمين المؤقتين الحائزين شهادة البكالوريا الثانية لتأهيلهم كمعلمين اختصاصيين فأحدثت في مدرسة التجهيزات أي "مكتب عنبر" صف التعليم العالي، وفي العام نفسه تم إنجاز بناء مدرسة التجهيز الحالية فانتقل طلاب وأساتذة مدرسة التجهيز ودار المعلمين في العام الدراسي 1936 ـ 1937، إلى البناء الجديد المعروف حالياً بالتجهيز، ثم سميت مدرسة التجهيز باسم عالم من علماء الرياضيات كان يدرس في "مكتب عنبر" فأصبح اسمها ثانوية (جودت الهاشمي).
مكتب عنبر في عهد الاستقلال:
أصبح مكتب عنبر لعدة سنوات مقراً لمعهد التجهيز والفنون النسوية، ثم وفي عهد الرئيس حافظ الأسد أصبح بناء مكتب عنبر «قصر الثقافة الشعبية» وقامت وزارة الثقافة بمساعدة محافظة مدينة دمشق بإجراء ترميمات وإصلاحات واسعة عليه، ما أعاد له رونقه وبهاءه، فأصبح يتباهى اليوم بحلته القشيبة وفخامته، وغدا متعة للناظرين.
اتخذت الحكومة السورية من المبنى مقراً لمعهد التجهيز والفنون النسوية ومن ثم هُجر، وكان المبنى المهجور متضرر جداً وعلى وشك الإنهيار الكامل، وقامت وزارة الثقافة بشراء المبنى بهدف الحفاظ عليه من الإنهيار فقط، ومن بعدها قامت بتحويله إلى مقر للثقافة العربية في عام 1976، فقامت الوزارة بإجراء الإصلاحات وأعادت للبناء رونقه و بهاءه، وتم إلغاء المطبخ ومطعم الطلاب الليلي، وتحوت قاعة الكيمياء والفيزياء الكبيرة إلى قاعة محاضرات، وصار مدخلها من الباحة الأولى، وتم إنشاء عريشة في الباحة الأولى وزرع بها أشجار الكرمة كبقية البيوت الدمشقية التي لايخلو بيت منها من دالية عنب، وأشجار الزينة، وأُعيد ترميم الحمام وفتحه للزائرين، وفصلت الدار التي ألحقت بالمكتب والتي كانت معدة للطلاب ودار المعلمين وصالة المرسم وملعب الرياضة حيث سُلمت لجمعيات خيرية في عام 1980م، واكتملت أعمال الترميم وافتتح بمسمى (قصر الثقافة العربية) ويحتوي على متحف و قاعة عرض ومكتبة.
وأصبح منذ عام 1988م أصبح مقراً “لمديرية دمشق القديمة” التي تُعنى بكل ما يتعلق بالمدينة القديمة داخل السور. وبه الآن قاعة للمكتبة ومتحف وورش للعمل اليدوي.
في عام 2012م افتتحت محافظة دمشق مركز لخدمة المواطن في مكتب عنبر اسمته (البوابة الالكترونية)، ويتضمن عمل المركز معاملات ترخيص، خدمات وشكاوى، وإخراج قيود وتراخيص وسجلات إدارية، وتقديم معاملات واقعة ضمن المدينة القديمة داخل السور وخارجه وشرائح والمباني الأثرية.
كان الهدف من إطلاق برنامج إعادة الترميم هو إعادة شكله كما كان آنفاً بقدر المستطاع، وتمت أعمال إعادة الزخارف التي ببدأها يوسف عنبر بناءاً على أبحاث ومعلومات تاريخية، ولكن لم تتم علمية ترميم الجناحين المضافين من قبل الدولة العثمانية حسب وثائق تاريخية، وبعد ما ابتدأت الترميم، تم تغيير الخطة ليدخل ضمن برنامج اعادة استخدام تلاؤمية، ليصبح مكتبة، و متحف، ومركز معارض، و ورش عمل حرفية.
يعد مكتب عنبر من اجمل القصور التراثية الدمشقية على غرار شقيقه قصر العظم “متحف التقاليد الشعبية” و”متحف دمشق التاريخي” فقد كان “مكتب عنبر” صرح حضاري هام، ومركز تعليمي رائد كان له أثر كبير في النهضة العلمية والثقافية في عهود مظلمة شهدتها البلاد.