استطاعت الثقافة الايرانية ، أن ترسخ مواقعها ، و أن توسع دائرة معجبيها عبر التاريخ ، قديمه و وسيطه و حديثه، و كان للثقافة في تجلياتها الابداعية في مجال العلوم و الأدب، شعره و نثره، و في مجال العمارة و النحت و التصوير و الصناعات الحرفية امتيازات اختصت بها، و عبرت عن رؤية متكاملة إنسانية الطابع.
و تصطبغ الثقافة الايرانية في أغلب عصورها بمدخل فلسفي إيجابي ، سعى دوماً إلى تكريس مفاهيم الخير و العدالة و المحبة، إلا أن انعطافها الأكبر في هذا الاتجاه ، حصل مع دخول الاسلام ، الذي دعم تلك الاتجاهات البنّاءة و الانسانية في مجال الثقافة عموماً، و رفدها بروح جديدة مستمدة من روح العقيدة ، التي تتمثل أهم خصائصها بالتوحيد.
والواقع أن عبارة منمنمة تتصف بسعة دلالتها، فهي إنتاج فني صغير الابعاد، يتميز بدقة في الرسم و التلوين، و هو اسم يطلق عادة على الاعمال الملونة و غيرها من الوثائق المكتوبة المزينة بالصور أو الخط أو الهوامش المزخرفة، وقد حقق فن المنمنمات المرتبط بالمخطوطات كمالاً رفيعاً خلال القرون الوسطى في الشرقين الأوسط و الأدنى و حتى في أوروبا، و قد استخدم لفظ المنمنمات للتعبير عن أعمال التصوير، و خاصة الصور الشخصية الصغيرة الحجم، التي كان يجري رسمها و تلوينها على الخشب و العاج و العظام و الجلود و الكارتون و الورق و المعدن و غيرها من المواد.
لعب الفنانون الإيرانيون دوراً مهماً في أكثر المدارس الفنية للمنمنمات، فقد تفاعلت خبراتهم في كل من المدرسة العباسية في بغداد، و خاصة لدى وصول البرامكة إلى موقع السلطة، فقد استجلب هؤلاء العديد من الفنانين الإيرانيين إلى بغداد، فشاركوا في تأسيس مدرسة المنمنمات فيها، و قد عرف من المدرسة السلجوقية محاولة الحفاظ على أصالة الرسم الإيراني و سماته المحلية و أبعاده عن تأثيرات الفن الصيني، لكن باستيلاء المغول على إيران وظهور المدرسة المغولية تغيرت ملامح المنمنمات، إذ أوجد المغول مدارس في تبريز و شيراز و مرو ارتبطت بالأسلوب الصيني، ثم ظهرت المدرسة الهراتية أو التيمورية في سمرقند و هي من أبرز مدارس الرسم الإيراني على وجه الاطلاق، وعندما تأسست المدرسة الصفوية في العهد الصفوي انتقل مركز الفن الإيراني من "هراة" إلى "تبريز"، و تعتبر رسوم المدرسة الصفوية صفحة جديدة في الرسم الإيراني.
لقد أسس الفنانون الإيرانيون المدرسة التركية لفن المنمنمات بعد استقدامهم من قبل السلاطين العثمانيين، كالسلطان سليمان القانوني، كما و أن المدرسة الهندية تأثرت هي الاخرى بالفن الإيرانية بعد أن انتشر الاسلام في الهند على يدي "بابر" حفيد تيمورلنك. و هكذا، و بهذه الصورة المكثفة و المختصرة إلى أبعد الحدود يمكن استنتاج الدور الريادي البارز الذي لعبته إيران في تطور فن المنمنمات عبر التاريخ الذي يمتد أكثر من عشرة قرون في بقاع جغرافية مترامية الاطراف. لقد عكس الفن الإيراني عبر تاريخه مراحل تطور الأمة، و عكس أحداثها المهمة و هموم شعبها و تعاقب أطوارها الحضارية، و تفاعلها مع الأمم الأخرى، فكان الفن في إيران مواكباً لمسيرة الانسان دائماً.