لم ولن يكون الرجل مبدع الحضارة الوحيد، وإنما تقوم جدلية الحضارة على امتزاج لحنين وتفاعلهما في إنتاج هذه الحضارة، والواقع أن أي تأزم بين هذين اللحنين ينعكس سلباً على مجمل الحضارة وعلى توازنها، والحال أن لحناً مميزاً يصدر عن إبداع الرجل وعمله الخلاق، ولحناً مميزاً آخر يصدر عن إبداع المرأة وعملها الخلاق أيضاً، وكل لحن يعكس صورة ما، هذه الصورة تشتاق للصورة الأخرى، لأنه بها ومن خلالها يتمخض الوجود ويتحقق.
لعلّ الأديبة غادة السمان وقفت إلى جانب الرجل، بقلب ووجدان إمرأة، تشاركه معاناة الوجود، وتغوص في أغوار النفس بعيداً عن الأقنعة، بحثاً عن أسرارها وحقائقها، وفي معاناتها هي بدورها في البحث عن الحقيقة، بعيداً عن التعصّب، والمسلمات، وضيق الأفق، والأحكام المسبقة، يتبلور وعيها أكثر فأكثر، وموقفها من الوجود، فتأخذ على عاتقها النضال جنباً إلى جنب الرجل، تريد تغيير وجه المجتمع البائس، فتثور، وهي بدورها تبرهن أنها قادرة أيضاً أن تحمل هموم المجتمع، والجيل القادم، والشباب، فيتدفق من أعماقها نهر هادر من إبداع حي نراه بين قصة قصيرة، وشعر، ورواية، ومقالات.
سيرة حياتها
مولدها وطفولتها
وُلِدَت غادة أحمد السمان في دمشق عام 1942، والدها الدكتور «أحمد السمان» الذي نشأ فقيراً، وكان في حياته عصامياً، وعمل مؤذناً في الجامع أثناء دراسته الجامعية، إلى أن أصبح أستاذاً جامعياً، فعميداً لكلية الحقوق بدمشق، وذلك طوال عقدين من الزمن، ثم رئيساً للجامعة فوزيراً للتربية والتعليم.
والدتها الأديبة «سلمى رويحة» كانت مدرسة للغة الفرنسية، توفيت وغادة ما تزال طفلة قبل أن تعيها، فتربت غادة في كنف جدتها لأبيها، وهكذا فهي لا تذكر عن أمها شيئاً سوى زيارتها لقبرها كل عام باللاذقية.
إذاً كان للدكتور «أحمد السمان» الدور الكبير في تربيتها، حيث خصها باهتمامه وعنايته، وعلّمها قوة الإرادة، معتبراً الإرادة عضواً كسائر الأعضاء في الجسم، إن لم يعمل الإنسان على تدريبها وتنميتها فإنها تضمر وتصير غير ذات فاعلية. وعلّمها منذ صغرها اللغة الفرنسية، ودرّبها على قراءة القرآن، وأدخلها في عالمه الثقافي والاجتماعي.
تعليمها
وتروي غادة السمان عن سنوات المراهقة الأولى التي قضت فترات منها في بيتها المتواضع بقرية «الشامية» حيث بدأت تعشق الحرية، وبدأ حب المغامرة يفعل في حياتها. وتلقت علومها في مدرسة البعثة العلمانية الفرنسية بدمشق، وفي مدرسة التجهيز الرسمية.
إلا أن موهبتها على الكتابة بدأت تتفتح حين كانت في المدرسة الثانوية، حيث نشرت أول قصة لها في مجلة المدرسة تحت عنوان «من وحي الرياضيات»، ولاقت تشجيعاً من مدرّسة اللغة العربية فكتبت عدداً من القصص القصيرة للمجلة الأدبية الخاصة بالمدرسة.
وتذكر غادة السمان أن والدها كان يرغب أن تصير طبيبة، إلا أنها بعد حصولها على شهادة البكالوريا العلمية، وذلك بناء على رغبة والدها في دراسة «الفرع العلمي»، فقد عزمت على دراسة الأدب الإنكليزي، وهكذا كان.
كانت أول مقالة كتبتها عن تحرير المرأة عام 1961. وفي عام 1962 نشرت مجموعة من القصص القصيرة بعنوان «عيناك قدري».
عملها
وأثناء دراستها الجامعية عملت أمينة مكتبة، ومدرّسة لغة إنكليزية في مدرسة ثانوية في دمشق، كما أنها قامت بتقديم برنامج إذاعي شعري من الأدب العالمي كانت تترجمه بنفسها عن الإنكليزية، إلى أن تخرّجت من الجامعة السورية عام 1963، حاصلة على شهادة الدراسة العليا في الأدب الإنكليزي، وباشرت حياتها العلمية كأستاذة محاضرة في جامعة دمشق وذلك لمدة عامين.
سفرها
إلا أن معالم تمايزها وتفرّدها، قد بدأت تلوح في الأفق حين انتقلت إلى بيروت عام 1964، لكي تحصل على الماجستير في الأدب الإنكليزي في الجامعة الأميركية، وقد ضمنت لنفسها وظيفة مدرِّسة في إحدى الثانويات، إلا أنها لم تستمر أكثر من شهر حتى تحولت إلى النشاط الصحافي الذي اتخذت منه مهنة دائمة. وكانت أطروحة الماجستير «مسرح اللامعقول»، وهو تيار أدبي سنتلمسه كثيراً في أعملها المقبلة.
وأثناء ذلك بزغ إلى الوجود عملها «لا بحر في بيروت» عام 1965، ثم «ليل الغرباء» عام 1966، وأظهرت هذه الرواية نضجاً كبيراً في مسيرتها الأدبية، وجعلت كبار النقاد مثل محمود أمين يعترفون بها وبتميزها.
إلا أن تصميم غادة على أن تكون ذاتها وتحققها على أكمل وجه دفع بها للسفر عام 1966 إلى لندن للإعداد للدكتوراه في الأدب الإنكليزي، إلا أنها لم تستطع الحصول عليها، وفقدت بالتالي الرغبة في متابعة الحياة الأكاديمية.
الفترة العصيبة في حياتها
تأثرت غادة السمان بجملة من الأحداث ذات الوقع العنيف في تلك الفترة، وبدأت هذه الأحداث في صيف العام نفسه حين توفي والدها، تلاه صدور حكم عليها بالسجن غيابياً لمدة ثلاثة أشهر بسبب مغادرتها سورية بلا إذن من الحكومة وهي من حملة الشهادات العليا، وكانت آنذاك ما تزال في لندن، وأتت ضربة جديدة، إذ فقدت عملها الذي كانت تعيش منه كمراسلة لإحدى المجلات اللبنانية، تلتها ضربة أخرى، وهي وقوع القطيعة مع عائلتها، وبالتالي انقطع عنها أي مصدر تمويل، وقد ظن مجتمعها البورجوازي آنذاك أنها امرأة هالكة لا محالة، لكن سمو روحها لم يتركها تنزلق وتستسلم، بل جعلت من الضربات والصعوبات والتجارب المرّة ذلك الرحم الذي تتكوّن فيه شخصيتها المبدعة وتولد من جديد إلى العالم، بعد أن اختبرت معنى الألم في حياتها.
ودفعها هذا الاختبار لتتعلم الكثير عن طبقات شعبية لم تكن تعرف شيئاً عنها، فإذا بها تشاركها معاناتها، وتفهمها، وإذا بها تبدأ بالحياة كامرأة، وتزداد وعياً كفنانة، ولاشك أنها أثناء مرورها في هذه الفترة العصيبة من حياتها، والتي ساهمت إلى حد كبير في تكوينها الروحي والنفسي لا بل والجسدي أيضاً، فقد ظهر بعض المخلصين ليقفوا إلى جانبها، ويمدوها بدعمهم المعنوي والملموس، ومن أبرزهم كان الأديب الشهيد غسان كنفاني.
امتدت هذه الفترة بين عامي 1966-1969، قضتها متنقلة بين لبنان ومختلف البلدان الأوروبية، وتعتبر غادة أن هذه الفترة هي التي صنعت غادة الثمانينيات، إلى درجة أنها تعتبر أن من لم يعايشها في تلك الفترة، فإنه لا يعرف عنها شيئاً.
زواجها
وفي أوائل السبعينات تزوجت غادة السمان في لبنان من الدكتور «بشير الداعوق» وهو أستاذ جامعي، وصاحب «دار الطليعة» للنشر، وأنجبت منه ابنها «حازم» الذي أسمته تيمناً باسم أحد أبطالها في مجموعة «ليل الغرباء»، وكان قد صدر عفوٌ في السبعينات في سورية «عن جرائم ترك العمل لحملة الشهادات العالية والسفر بلا إذن»، وقد شملها.
منشورات غادة السمان
وفي عام 1977 أسست دار نشر خاصة بها سمتها «منشورات غادة السمان» مقرّها بيروت، ونشرت فيها مؤلفاتها التي صدرت منها طبعات كثيرة.
في أواخر السبعينات جمعت غادة السمان آثارها الأدبية والفكرية والصحفية، غير المنشورة سابقاً، في سلسلة من المجلدات تحت عنوان «الأعمال غير الكاملة»، وأعطت لكل مجلد عنواناً خاصاً به يوحي بشيء من موضوعات الكتاب، وحاولت أن تخلق توافقاً بين مواد الكتاب، خصوصاً أن أغلبها نُشِر في المجلات الأسبوعية في فترات مختلفة، وقد أسمتها بالغير الكاملة، لأن إنتاجها لم يتوقف.
إقامتها
تعيش غادة السمان في باريس منذ أواسط الثمانينات. ولا تزال تكتب أسبوعياً في إحدى المجلات العربية الصادرة في لندن.
أعمالها
مجموعات قصصية قصيرة
1
) عيناك قدري، 1962.
2) لا بحر في بيروت، 1965.
3) ليل الغرباء، 1966.
4) رحيل المرافئ القديمة، 1973.
5) زمن الحب الآخر، 1978.
6) القمر المربع: قصص غرائبية، 1994.
مجموعات شعرية
1) حب، 1973.
2) أعلنت عليك الحب، 1976.
3) اعتقال لحظة هاربة، 1979.
4) الحب من الوريد إلى الوريد، 1981.
5) أشهد عكس الريح، 1987.
6) عاشقة في محبرة، 1995.
7) رسائل الحنين إلى الياسمين، 1996.
8) الأبدية لحظة حب، 1999.
9) الرقص مع البوم، 2003.
الروايات
1) بيروت 75، 1975.
2) كوابيس بيروت، 1976.
3) ليلة المليار، 1986.
4) الرواية المستحيلة: فسيفساء دمشقية، 1997.
5) سهرة تنكرية للموتى، 2002.
أدب الرحلات (مقالات أدبية)
1
) الجسد حقيبة سفر، 1979.
2) شهوة الأجنحة، 1995.
3) القلب نورس وحيد، 1998.
4) رعشة الحرية، 2003.
مقالات صحفية ودراسات
1) السباحة في بحيرة الشيطان، 1979.
2) ختم الذاكرة بالشمع الأحمر، 1979.
3) مواطنة متلبسة بالقراءة، 1979.
4) الرغيف ينبض كالقلب، 1979.
5) ع-غ تتفرس، 1980.
6) صفارة إنذار داخل رأسي، 1980.
7) كتابات غير ملتزمة، 1980.
8) القبيلة تستجوب القتيلة، 1981.
9) قراءات لحفل تأبيني، 1984.
10) البحر يحاكم سمكة، 1986.
11) غربة تحت الصفر، 1987.
12) الأعماق المحتلة، 1987.
13) تسكع داخل جرح، 1988.
14) رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان، 1992.
15) إسرائيليات بأقلام عربية – الدس الصهيوني، 2001.
ترجمة
1) الشعوب والبلدان، 1959.