تختزن الحرف اليدوية التقليدية في سورية خصائص وتراث الحضارة السورية المتراكم عبر آلاف السنين لتشكل أيقونات مليئة بالفن والإبداع والجمال.
سانا زارت معرضاً للحرف اليدوية والتراثية أقامته مديرية سياحة دمشق في
خان أسعد باشا بدمشق تضمن مختلف الصناعات التقليدية التي أبدع فيها الحرفيون السوريون وشارك فيه نحو 50 حرفيا في مجالات الموزاييك والأرابيسك والزجاج والنحاسيات وبعض أعمال تبدعها ربات البيوت والجمعيات الخيرية.
كاميرا سانا جالت في المعرض والتقت عددا من الحرفيين وشيوخ الكار وتعرفت على معروضاتهم ومشغولاتهم اليدوية وخلال الجولة أكد فؤاد عربش رئيس الجمعية الحرفية للمنتجات الشرقية التراثية أن المعرض يأتي ضمن توجه وزارة السياحة لإعادة الألق للحرف التراثية واليدوية كونها جزءا لا يتجزأ من التراث السوري وعنصرا من عناصر الجذب السياحي لافتا إلى أنه رغم الحرب على سورية لا تزال يد الحرفي السوري تبدع وتبتكر تحفا تتميز بها سورية.
من جانبه بين كل من محمد رنكوس وسامر النقطة حرفيي بروكار أن صناعة البروكار الدمشقي تعتمد على أنوال يدوية لحياكة الأقمشة الحريرية وتدخل في تركيبها الخيوط الذهبية والفضية بألوان براقة وزاهية لافتين إلى أن دمشق باتت المكان الوحيد في العالم الذي ينتج هذا النوع من الأقمشة ويستخدم الآن في صناعة بعض التحف وتزيينها وكذلك في تنجيد مفروشات الموزاييك والأرابيسك الدمشقية ووصلت شهرة هذا القماش لجميع دول العالم حتى أن ملكة بريطانيا الحالية اختارته قماشاً لثوب زفافها.
وأشار رنكوس إلى أن صناعة البروكار تعرضت لنكسة حقيقية في ظل الحرب الإرهابية على سورية فهي تعتمد على السياح بشكل أساسي لكن الآن وبعد تعافي البلد من الإرهاب وبسط الأمن والأمان في ربوعه لا بد من إعادة إحياء هذه الحرفة بهمة وجهود حرفييها.
الحرفي مازن شيبان بين أنه يسعى لدخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية عبر لوحة مبتكرة مصنوعة من 94 ألف حبة زيتون تمثل العيش المشترك وتعاقب الحضارات على مدينة دمشق لافتاً إلى أن هذه الحرفة تعتبر ابتكارا تتفرد به سورية.
وأكدت عاليا النعيمي أول حرفية أعجمي في سورية أن الحرف اليدوية الدمشقية تشكل مظهراً من مظاهر الحضارة حيث ارتبطت بالبيئة المحلية ارتباطا وثيقا أخذت منها موادها الأولية وبساطتها وعمق جذورها التاريخية مشيرة إلى أن مشاركة الحرفيين في المعارض والمهرجانات دليل واضح على تعافي سورية ووسيلة تواصل بين الحرفيين والجمهور وتأكيد على عودة تألق الحرف اليدوية الأصيلة.
وأوضح كل من سمير عليان ومحمد صالح الكجك حرفيي شرقيات “أرابيسك وموزاييك” أن حرفتهما تتمثل في تطعيم خشب الجوز بالصدف أو الحفر على الخشب دون إضافة أي مادة عليه وتختص دمشق عن باقي دول العالم بهذه الحرفة المتوارثة بين الأجيال مشيرين إلى ضرورة إقامة مثل هذه المعارض بشكل دائم للتعريف بالحرف اليدوية وطرق صناعة القطع و
الفن والإبداع الذي تتضمنه ولافتين إلى أن شيوخ الكار خلال فترة الحرب على سورية كانوا مستمرين بالعمل رغم الظروف والصعاب لأن هذه الحرف هي تراث سوري من الواجب الحفاظ عليه وتعليمه للشباب.
بدوره تحدث شيخ كار الرسم النباتي على الزجاج الحرفي دياب ابراهيم عن مراحل صناعة الزجاج وكيفية الرسم عليه مشيرا إلى أن أعمال الزخرفة تطورت من الرسم على الأكواب وغيرها من القطع المصنوعة من الزجاج إلى الأعمال الضخمة كالرسم على زجاج الزينة التي توضع في البيوت والقصور معتبرا أن الاستمرار في إبراز حضارة ووجود الحرف اليدوية هو رسالة تؤكد استمرار الإنسان السوري بالعمل والإبداع.
نبيل سيف الدين حرفي فخاريات أوضح أن مشاركته في المعرض تأكيد على أن التراث السوري حاضر ولا يزال يأخذ حيزا كبيرا من الاهتمام مضيفا إن المعروضات متنوعة فمنها الحافظة للماء التي تسمى “الكاشفة” والحافظة للنقود التي تسمى “المكمورة” وبعض الأواني الخاصة التي تصمم للطبخ وتصنع من الجرارات الحرارية.
وعن طريقة تحضيرها قال سيف الدين إن هناك أنواعا من الأتربة تستخدم لصناعة المزهريات وتصنع من التربة الصلبة وتسمى الآلة التي تستخدم في قولبة الأواني الفخارية “الدولاب” وهو مسند دائري خشبي يتم تدويره بوساطة القدم وموصول بحزام بشكل ميكانيكي إلى الصحن العلوي الذي يدور بعدما يصنع الحرفي عجينة الفخار عليه ليقوم بتشكيلها باستخدام أصابع وراحة اليدين ليتشكل بعدها الإناء المطلوب ثم تدخل الأواني إلى الفرن لشيها كون الحرارة المرتفعة تكسب الأواني القوة والصلابة وتجعلها مقاومة لجميع العوامل الجوية وعند إخراجها من الفرن تبدأ المرحلة الأخيرة بتزيينها إما بالرسم أو بإضافة قطع من القماش وخصوصاً خيوط الخيش التي تحتفظ ببرودة المياه في فصل الصيف.
وستبقى الصناعات والحرف اليدوية في سورية سجلا لتاريخ عريق وجزءا من الثقافة الجمالية الشرقية فهي إرث تداوله الأبناء والأحفاد من الأجداد.