تقع قلعة المرقب قرب مدينة بانياس الساحلية في محافظة طرطوس، وتتوضع على هضبة صخرية بركانية ترتفع 360 متراً عن سطح البحر، مما يعطيها موقعاً منيعاً جعلها تتحكم بالساحل السوري على البحر الأبيض المتوسط لفترة طويلة من الزمن. بناها العرب المسلمون ثم استولى عليها البيزنطيون قبل أن يتناوب عليها العرب و الفرنجة في مراحل تاريخية عديدة. ولا تزال آثارها المهيبة شاهداً على الأدوار التاريخية العظيمة التي لعبتها.
الموقع الجغرافي:
تقع
قلعة المرقب في محافظة طرطوس ، تتوضع القلعة في مدينة
بانياس الساحلية التي تبعد 55 كم جنوبي اللاذقية، وهي مرفأ فينيقي قديم، كانت تعرف أيام اليونان باسم (بلانيا) وكانت تشتهر ببساتينها ورياضها الكثيرة وبتصدير الخشب. يظهر جمال هذه المدينة من خلال حدائقها والتلال الخضراء العالية التي تبدو وراء المدينة والتي تعلو إحدى قممها
قلعة المرقب المهيبة الضخمة بأحجارها البازلتية السوداء.
تتوضع القلعة على هضبة صخرية بركانية ترتفع 360م عن سطح البحر مطلة على البحر الأبيض المتوسط، وتتميز بموقعها المنيع وتحكمها بالطريق الساحلي القديم أنطاكية- طرابلس والطرق الداخلية القديمة المؤدية إلى القدموس ومصياف.
يحد القلعة من الشرق سلسلة من الجبال الداخلية والوديان العميقة أما في الجهة الجنوبية الغربية فتتوالى الارتفاعات والمنخفضات إلى أن تزول تماماً قرب سطح البحر.
لمحة تاريخية:
عرفت
قلعة المرقب من قبل اللاتين باسم مارغت ( margat ) وعند البيزنطيين مارغاتوم (margathum) ومارغانت ( margant ) وأطلق عليها العرب اسم
قلعة المرقب حيث يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان : «المَرقَب بالفتح ثم السكون ثم بالقاف المفتوحة هو اسم الموقع الذي يرقب منه».
أول من بناها هم العرب المسلمون عام 1062م أثناء استيطانهم في المنطقة الذي دام حتى عام 1104م. حيث استولى عليها البيزنطيون بعد ذلك بقيادة جون كانتازيسنوس خلال صراعه للحصول على مدينة اللاذقية، ثم استولى عليها العرب مرة أخرى وقاموا بترميمها مابين عامي 1116-1118م وبعد مفاوضات تم التنازل عن القلعة من قبل حاكم المرقب ابن محرز إلى أمير أنطاكية روجر مقابل مقاطعة أخرى، ثم تنازل عنها الأخير مقابل فدية إلى عائلة منصور.
في الأعوام 1157-1170- 1186م تعرضت القلعة للزلازل واستهلك ترميمها مبالغ كبيرة أنفقت من قبل عائلة منصور. ثم تنازلت عائلة منصور عن القلعة إلى الإسبتارية مقابل مبلغ من المال وبذلك انتقلت ملكيتها إلى برنارد مارغت.
في عام 1188 مر صلاح الدين الأيوبي من المرقب آتياً من شمال سورية لكنه لم يهاجمها، ثم سير الملك الظاهر غازي سلطان مدينة حلب عام 601 هـ (1204-1205) حملة إلى المرقب خربت أبراج السور ولكنها انسحبت لمقتل قائد الحملة بعد أن قاربت من الاستيلاء على القلعة. وفي عام 1269-1271 قام العرب بمهاجمة القلعة مرة أخرى.
ومع سقوط قلعة الحصن المجاورة عام 1275 أجبر فرسان المرقب على التنازل عن جزء من أراضيهم مقابل عدم التعرض للقلعة إلى أن حاصرها السلطان قلاوون عام 1285م وحفر نفقاً تحت الواجهة الجنوبية ثم قصفها بالمنجنيق حتى انهار البرج الخارجي الجنوبي المعروف ببرج الأمل فاستسلم الإسبتارية مقابل ضمان حياتهم وقد سمح لهم بالخروج بكامل أمتعتهم وسلاحهم وألفي قطعة ذهبية في موكب مهيب.
احتفظت القلعة بنفوذها في القرنين 14-15 حيث استخدمت كسجن وفي الفترة العثمانية تم إجراء تغييرات في القلعة لتلائم وجود الحامية العسكرية التركية والتي سكنت القلعة فترة من الزمن.
الوصف المعماري:
إن مسقط القلعة الضخم عبارة عن مثلث ضيق مساحته حوالي 60000 م2 تتجه زاويته الحادة نحو الجنوب، ويندمج حرفه مع الصخور المشكلة لجبل الأنصارية، تبدو نقطة ضعف الموقع في الجهة الجنوبية التي كانت السبب في زيادة التحصين عند هذه الزاوية الدائرية لصد الهجمات المتوقعة من ذلك الاتجاه. تتألف القلعة من سور مزدوج أحدهما خارجي والآخر داخلي لزيادة تحصين القلعة ومناعتها، كما تقسم القلعة إلى قسمين، القلعة الخارجية التي تشمل الأبنية السكنية والقلعة الداخلية التي تضمن مجموعة الأبنية الدفاعية المحصنة بأبراج دائرية ومستطيلة يعلوها البرج الرئيسي، والتي تسيطر على مساحة واسعة تمتد إلى كل الجهات وقد زودت بمرامي السهام والحجارة بشكل تنعدم فيه النقاط الميتة تماماً؛ ويحيط بالسور الخارجي من الجهة الشرقية خندق عميق محفور في الطبقة الصخرية.
أما الحصن الداخلي فهو عبارة عن قلعة صغيرة مستطيلة الشكل تقريباً لها حلقتان من الأسوار تقع على الذروة الجنوبية للقلعة ويفصلها عن القلعة الخارجية قناة مائية عريضة في الجهة الشمالية من الحصن الداخلي ويشكل السور الخارجي خطوطاً دفاعية للحصن الداخلي.
يتم الدخول إلى القلعة عبر برج البوابة الرئيسي والذي يمكن الوصول من خلاله إلى الحصن الداخلي و إلى القلعة الخارجية مشكلاً صلة وصل بين السورين الداخلي والخارجي. أما قاعات القلعة فموزعة في أبراجها ومزودة بكوات ومرامي السهام كما تتناوب الأبراج الدائرية والمستطيلة على الواجهات الخارجية، ومن منشآت القلعة:
· مسجدها الذي بني بعد استرجاعها من الفرنج.
· كما يوجد العديد من (الاصطبلات) و(المخازن) والمستودعات المنفصلة.
· برج الفرسان الذي استخدم كبرج مدخل ثانوي إضافة لبرج المدخل الرئيسي ويمكن منه الوصول مباشرة إلى التحصينات الواقعة في الجهة الجنوبية.
· أما المجمع العثماني الداخلي فهو عبارة عن مجموعة من الغرف المبنية على عدة مستويات وعلى عدة مراحل.
· الكنيسة وهي أكثر الأبنية ارتفاعاً بين الأبنية المحيطة بالساحة الرئيسية وهو بناء موجه باتجاه شرق – غرب وبشكل طولاني كما هي معظم الكنائس تبلغ أبعاد الكنيسة ( 7.64م × 19م) ومخططها شبيه بمخطط كنائس جنوب فرنسا في القرن الحادي عشر، ويمكن أن نعيد بناء الكنيسة للربع الأخير من القرن الثاني عشر أي بعد بداية استيلاء الإسبتارية على القلعة.
· البرج الرئيسي وهو أهم بناء في القلعة، ويعد نموذجاً مثالياً للأبراج الدائرية التي أقيمت في القرن الثالث عشر حيث يبلغ قطره 21م تقريباً وهو مكون من طابقين مع متراس دفاعي يتوج الطابق الأول، زود بمرامي السهام التي وزعت على محيط البرج بحيث لا تترك حول البرج أي نقطة لا يمكن الدفاع عنها. إن الفخامة التي يتمتع بها هذا البرج من حيث الارتفاع والقطر وسماكة الجدران المجهزة، تؤكد أن هذا البناء كان على الأغلب مخصصاً لقائد حامية القلعة.
· القلعة الخارجية: يظهر فيها عدد من أبراج السور الخارجي ومراميه.
· برج قلاوون الشمالي: برج دائري بقطر 25م تقريباً يتكون من نواة أساسية مشكلة من برج نصف دائري وقد تم تصفيح هذا البرج بحجارة بازلتية كبيرة الحجم ومنحوتة بطريقة متقنة.
· برج المراقبة أو برج الصبي:هو جزء مهم من دفاعات قلعة المرقب، يقع جنوب غرب
بانياس على يمين أوتستراد طرطوس-اللاذقية، يعود بناؤه إلى الفترة الصليبية ، مبني بحجارة بازلتية، مربع الشكل، ومؤلف من طابقين، يبدو أن هذا البرج أقيم لهدفين مراقبة الساحل وكمركز للدفاع عن القلعة. في جدرانه مرام للسهام عثر في أحدها أثناء الترميمات عام 2001م على لوحة من الفرسك تمثل سمكة بنية اللون ضمن حوض ماء أزرق اللون.
ذكرها (كرنيلوس فانديك)[1] قائلاً: «...وإلى الجهة الشمالية الشرقية من طرطوس، وعلى مسافة نحو ستة ساعات تقع قلعة المرقب. وهي على رأس جبل يرتفع نحو ألف قدم عن سوية البحر. وفيها الكثير من الآبار والمخازن....».
ووصفها (راي)[2] بقوله: «المرقب أشبه بمدينة فريدة من نوعها، تقع على صخرة كبيرة مشرفة على كل من حولها يمكن الوصول إليها في حالة النجدة ولا يمكن الوصول إليها في حالة القتال، النسر والصقر وحدهما يمكنهما التحليق فوق أسوارها».