لا شك أن لتحسن أو تراجع
سعر الصرف آثاراً مختلفة في القطاعات الاقتصادية التي يتكون منها الاقتصاد الوطني، حيث يدخل
سعر الصرف كعامل مؤثر في تحديد التكلفة أيا كانت، سواءً للمواد الأولية المستوردة أم للمواد النصف المصنعة، وانتهاءً بالمستوردات التامة الصنع، وهذا من شأنه أن يترادف معه جميع أسعار المواد المنتجة محلياً ليصل الأمر حتى تكلفة اليد العاملة، هذا من ناحية التكلفة الفعلية، أما من ناحية أخرى فإن لتقلب
سعر الصرف أثراً إجرائياً يتمثل بقيام المستورد والتاجر والمصنّع بوضع هامش زائد على التكلفة الفعلية تحت مسمى (هامش وقاية لتقلب السعر) ويبرر ذلك بأن تقلب
سعر الصرف وعدم ثباته عند رقم توازني معين يجعل من أرباحه عُرضةً للتغير والاختلاف بين الطلبية والثانية من فترة لأخرى، وهذا الإجراء من التجار يساهم بزيادة العبء على المواطن الذي يرزح تحت ضغط تراجع قيمة الليرة من جهة وتحت هذا الهامش الموضوع من جهة أخرى، والمشكلة الأكبر تكمن في أن هذا الهامش الإضافي لن يلمس المواطن تلاشيه إلا بعد فترة لا تقل عن 6 أشهر على ثبات السعر (هذا إن استقر) ما يعني أعباءً متواصلة عليه، فما بالنا إن بقي
سعر الصرف يتأرجح صعوداً وفق خط بياني متذبذب.
وبالتالي، فالمحصلة هي انخفاض قوة دخل المواطن الشرائية وانخفاض دخله الحقيقي الذي يزداد ضعفاً مع عدم زيادة الرواتب إلى الآن رغم الوعود الكثيرة بذلك ورغم المد والجزر فيها، فالليرة التي انخفضت بنسبة 90% أدت إلى زيادة مستوى الفقر في المجتمع وزيادة الضغط المعيشي على المواطنين، وها هو تقلب
سعر الصرف يلقي بظلاله الثقيلة على المواطن فقط لأنه الحلقة الأضعف، فخلال الشهرين الماضيين بدأت موجة جديدة من الانخفاضات المتتالية في قيمة الليرة أمام الدولار لأسباب غير محددة اقتصادياً بدقة، حيث انخفضت الليرة بحوالي 12% لتلامس 500 ليرة وذلك إبان استقرار نسبي شهدته منذ منتصف عام 2017 عند مستوى وسطي 440 ليرة مع تحرك ضمن هامش 3%.
وفي حديث الرواتب، هناك من يقول: إن تخفيض الأسعار هو حل أفضل من زيادة الرواتب كي لا تتحمل الخزينة العامة أعباء إضافية، ولكن أين العمل على تخفيض الأسعار؟ فالمراقب العام لحالة الأسواق يرى أن الوزارات والجهات المعنية ليس بإمكانها ضبط الأسعار مطلقاً لعدم توافر مقومات هذا الضبط من ناحية (ومن ضمنها تذبذب سعر الصرف) ولعدم قدرتها على السيطرة على مصادر المواد الداخلة للبلد من ناحية أخرى، وبحسب تصريحات بعض المسؤولين؛ فالمهربات تسيطر على نحو 70% من احتياجات السوق وكلها تمول بالقطع الأجنبي من السوق السوداء، حيث إن ضعف التنسيق الاقتصادي بين الجهات المعنية حوّل سياسة ترشيد الاستيراد إلى باب للمهربين لتلبية احتياجات السوق، كما أن المستوردات النظامية لا تمول كاملةً بالدولار الرسمي، وهذا كله سبب ضغطاً إضافياً على الطلب على الدولار لا تقدر مؤسسة المصرف المركزي وحدها السيطرة عليه وهذه المعطيات كافية للقول بأن ضبط الأسعار يجب أن يكون إستراتيجية حكومية وليس خطة عمل وزارة معنية فقط، فهي تتطلب تضافر الجهود الحكومية كافة من جميع الوزارات المعنية إضافةً للجمارك ليُصار إلى ضبط هذه الناحية مع قيام مصرف سورية المركزي بضبط
سعر الصرف وتثبيته وفق نظام
سعر الصرف المرن الذي يتيح للعملة التقلب بما يزيد على +/-1% حول السعر المركزي أو عبر هامش بين أعلى وأدنى قيمة له يتجاوز 2%، فالرؤى الحكومية يجب أن تكون منصبة على مرحلة إعادة الإعمار ضمن إستراتيجيتها المستقبلية، فتوفير بيئة جاذبة للاستثمار وتحقيق استقرار في
سعر الصرف وتحفيز الطلب المحلي من خلال زيادة الرواتب من متطلبات المرحلة ولا يمكن المرور عليها مرور الكرام، كما أن تقلب
سعر الصرف يزيد المخاطر المالية ويعوق تأسيس الشركات والمشروعات الجديدة، كما يزيد من تكلفة تأسيسها ما قد ينحو بها إلى الإحجام عن الاستثمار أو الافتتاح بأقل مستوى للإنتاجية وهذا يعني عدم الانطلاقة بالطاقات.