في الخامس والعشرين من مارس آذار عام 1946، في مدينة بروكلين الأميركية، انطفأت حياة الشاعر السوري المهجري نسيب عريضة. كان عريضة بائساً عبّر عن بؤسه فيما تركه من شعر. لم يترك سوى هذا الديوان "الأرواح الحائرة" الذي يضم 92 قصيدة والذي يدل عنوانه على مضمونه. فالشاعر متشائم حائر في هذا الوجود جاء إليه من غير ارادته وتركه مقهورا، ليصبح واحداً من القرابين التي تقدمها حمص على مذبح الشعر، كما قال الشاعر الراحل نزار قباني.
ولد
نسيب عريضة عام 1887 في حمص، مدينة ديك الجن والحجارة السود، وتعلم في المدرسة الروسية الابتدائية، وفي مدرسة المعلمين الروسية في الناصرة حيث كان من رفقائه فيها الأديب ميخائيل نعيمة الذي يقول فيه "إن شعر
نسيب عريضة يصوّر كل الجمال ويعكس شخصيته الرقيقة الخجولة التي كانت دائماً بعيدة عن التكبر والتظاهر. "
في عام 1905 هاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية مع من هاجر، وأقام في نيويورك وعمل في التجارة ردحاً من الزمن، غير أن اهتماماته التجارية لم تصرفه عن عالم الأدب والشعر، فأنشأ مجلة شهرية سماها "الفنون الأدبية"، كانت آنذاك محجة للأدب والأدباء، حيث التف حولها خيرة من أدباء العربية في المهجر كجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضي ورشيد أيوب وعبد المسيح حداد ووليم كتسفليس وندرة حداد. وأرسل عريضة إلى صديقه ميخائيل نعيمة يقول: "عندي من الآمال ما يجعلني أثق بأنها ستبقى ثابتة بعد أن تناضل وتفتح لها طريقاً جديداً بين خرابات العالم الأدبي العربي".
غير أن فرحته بها لم تكتمل إذ لم تستطع أن تصمد كثيراً أمام الظروف المادية الصعبة التي عصفت بها برغم ما أنفقه عليها من مال وجهد فتوقفت عام 1918 بعد أن صدر منها عشرة أعداد. ويرسل
نسيب عريضة رسالة أخرى لنعيمة مفعمة بالمرارة وخيبة الأمل يقول فيها: "لقد خسرت معركتي وسقطت آمالي حولي، والآن وقد فرغ مالي وبخل علي المشتركون بما عليهم، فليس لي إلا أن أقف وقد وقفت، ولا أدري أتتحرك قدماي أم تيبسان إلى الأبد". غير أن رجليه لم يقدر لهما أن ييبسا إلى الأبد إذ صدرت جريدة (السائح) لمواطنه الأديب عبد المسيح حداد وواصل
نسيب عريضة طريقه عبرها إلى المجد الأدبي الذي كان ينشده بروح متدفقة بالحيوية والصدق والحرارة. ثم تسلم بعدها تحرير جريدة (مرآة الغرب) لصاحبها نجيب دياب وانتقل إلى جريدة (الهدى) لصاحبها نعيم مكرزل، وعُيَّن بعد ذلك موظفاً في مكتب الأخبار في الولايات المتحدة الأميركية، ثم اعتزل بعد عامين إثر اعتلال في صحته وعكف على جمع قصائده لطبعها في ديوان غير أن القدر لم يمهله ريثما يصل الديوان لقرائه إذ اختطفته يد المنون وانطفأت بذلك شمعة عمره وهو في منتصف العقد الخامس.