كانت أول جريمة شهدتها البشرية هي جريمة قتل. حين قتل قابيل ابن أبو البشر أدم عليه السلام أخاه هابيل، بعد أن ملأ الحسد والغيرة قلبه فأقدم على تلك الجريمة التي أفزعت حتى الجبل الذي وقعت الجريمة في إحدى مغاراته فانشق وسمي بـ "جبل الدم" أو "مغارة الدم"، وهو يقع في جبل "قسيون" في دمشق بسوريا.
وبداية القصة أنه كان في الشريعة القديمة وقت أبونا أدم عليه السلام أن أمنا حوَّاء كانت تُنجب في كلِّ بطن توأمًا من ذكرٍ وأنثى، وكان سيدنا ءادم عليه السلام يُزوج ذكر كل بطن بأنثى من بطن ءاخر من أجل التناسل، وكان محرمًا على أبناء البطن الواحد الزواج ببعضهما البعض، وكان مقررًا أن يتزوج هابيل من أخت قابيل، إلا أن قابيل رفض وأراد أن يتزوجها هو، رغم أن ذلك محرم، فطلب منهما سيدنا آدم أن يقدما قربانًا لله سبحانه وتعالى ليحكم بينهم.
وبالفعل قدم هابيل -وكان صاحب غنم- أفضل أغنامه وأسمنها وأحسنها مخلصًا لله، بينما قدم قابيل –وكان صاحب زرع- أسوأ ما زرع ولم يكن مخلصًا لله فيما قدم، فتقبل الله من هابيل ولم يتقبل من قابيل.
هنا دب الحسد في قلب قابيل وأشعلت الغيرة قلبه قرر قتل أخيه هابيل، فضربه على رأسه بحجر فمات، رغم نصيحة هابيل له. وبعد أن قتله عرف بشاعة الجرم الذي ارتكبه وظل يحتضن أخيه ولا يدري ماذا يفعل به، فأرسل الله سبحانه وتعالى غرابان اقتتلا فمات أحدهما فحفر الأخر في الأرض ودفن الذي قتل، ففعل قابيل مثلما فعل الغراب ودفن أخاه هابيل.
أما عن المكان الذي وقعت فيه جرية القتل فأمره عجيب، ويسمى "جبل الدم" ويقع في جبل "قاسيون" بسوريا، فيقال أن الجبل انشق لهول الجريمة التي راها وظهر ذلك على تضاريسه وظل يبكي حتى أن قطرات من الماء لا تزال تقطر منه حتى الآن منذ آلاف السنين، ويقال كذلك أن آثار دم هابيل لا تزال موجودة فيه حتى الآن.
وهذه المغارة تسمى مغارة "الأربعين" لأن
مسجد الأربعين محراباً يقع فوقها، وفي زاويتها فتحة تمثل شكل فماً كبيراً يظهر اللسان والأضراس والأسنان وسقف الفم بتفاصيل متقنة، يقال إنها تكونت في المغارة بعد أن شهق الجبل لما رأى قابيل يقتل أخاه هابيل، وأمامها على الأرض صخرة عليها خط أحمر يقال إنه أثر دم هابيل، وفي سقف المغارة شق صغير ينقط منه الماء ليسقط في جرن صغير يقال إنها دموع الجبل.
ولذلك قيل أيضًا أن سبب تسمية دمشق بهذا الاسم يرجع إلى تلك الجريمة وواقعة شق الجبل لما سال دم هابيل، فكلمة دمشق تتكون من شقين "دم" و "شق" .. هكذا يقول السوريون، أي الدم الذي سال، والشق الذى حدث فى الجبل.
وقد ذكر عدد من الرحالة ممن زراوا دمشق في القرون الماضية مشاهدتهم لمغارة الدم ومن هؤلاء:
أبو حامد الغرناطي يصف المكان في زيارته لدمشق عام 1160م تقريباً فيقول : "ولما دخلت دمشق رأيت عند باب يعرف بباب الفراديس جبلاً مشرفاً عالياً، وعليه آثار دم هابيل بن آدم عليه السلام ظاهراً , وهو دم كثير لا يخفى على من يراه أنه دم".
بينما يصف ابن جبير الأندلسي حوالي عام 1183م المغارة فيقول: "وبجبل قاسيون أيضاً لجهة الغرب , على مقدار ميل أو أزيد من المولد المبارك، مغارة تعرف بمغارة الدم، لأن فوقها في الجبل دم هابيل قتيل أخيه قابيل ابني آدم، صلى الله عليه وآله وسلم، يتصل من نحو نصفا الجبل إلى المغارة، وقد أبقى الله منه في الجبال آثاراً حمراً في الحجارة تحك فتستحيل، وهي كالطريق في الجبل، و تنقطع عند المغارة , و ليس يوجد في النصف الأعلى من المغارة آثار تشبهها، فكان يقال: إنها لون حجارة الجبل، و إنما هي من الموضع الذي جر منه القاتل أخيه حيث قتله حتى انتهى إلى المغارة، وهي من آيات الله تعالى".
أما الرحالة ابن بطوطة المغربي خلال زيارته لدمشق عام 1324م يقول:
"
مغارة الدم وفوقها بالجبل دم هابيل ابن آدم عليه السلام، وقد أبقى الله منه في الحجارة أثراً محمراً، وهو الموضع الذي قتله أخوه به واجتره إلى المغارة وعليها مسجد متقن البناء يصعد إليه على درج".