إهتمّت كل القوى التي حكمت الإقليم، وخصوصاً البلاد السوريّة، بأرض الجولان. هي خزّان مياه كبير بفعل وجود جبل الشيخ على حدودها، وتمتاز تلك الأرض بخصوبتها للزراعة. ولذلك حاولت العصابات الصهيونية إحتلالها مرات عدة.
لكنها كانت تفشل في القبض عليها، فبقيت تحت سيطرة سوريا حتى حزيران 1967 عندما احتلّتها إسرائيل. في كل مرة كانت دمشق تشترط إنسحاب الإسرائيليين منها للدخول إلى “عمليّة السلام”، فأبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين في أيلول 1992 إستعداده للتباحث مع دمشق في شأن الجولان، مشيراً إلى إمكانية التنازل عن جزء منها في مقابل السلام، لكن الرئيس الراحل حافظ الأسد أصرّ على الانسحاب الكامل، فتجمّد الطرح، إلى ان عاد رابين وحرّك العرض بعد عامين على أساس الإنسحاب على مراحل، كما فعلت إسرائيل إزاء سيناء المصرية. لم يُكتب لطرحه أن يعيش بفعل إغتيال صاحبه عام 1995، نتيجة إندفاعه في طروحات السلام، ولا سيما بسبب إستعداده لإنهاء إحتلال الجولان.
بعد سنوات خمس، دفع الأميركيون بالمفاوضات بين تل ابيب ودمشق قُدماً، لكن مشكلة الحدود كانت سبب فشل المفاوضات في ولاية فيرجينيا: وافق الإسرائيليون على الانسحاب حتى خطّ الحدود الدوليّة لعام 1923، شرط إزاحة هذا الخط غرباً ليمر على بعد عشرة أمتار من الشاطئ الشرقي لبحيرة طبريّة، فرفضت دمشق وأصرّت على إنسحاب إسرائيلي حتى خط الرابع من حزيران 1967، وهكذا طارت المفاوضات، إلى أن حضرت مجدداً بعد وفاة الأسد، وإنتخاب نجله بشار رئيساً لسوريا، فلم ينجح الطرح التفاوضي بسبب رهان الإسرائيليين على سيطرة أميركيّة في الإقليم بعد دخول العراق. لكن العارفين يعلمون ان خبايا
الجولان هي في الثروتين المائية والنفطية.
منذ عام 1970، بدأت إسرائيل مساعيها لإستكشاف النفط والغاز في تلك الهضبة، وكان التنقيب قائماً حتى أوقفه رابين عام 1992، كبادرة حُسن نيّة لتحقيق السلام مع سوريا، لكن التنقيب عاد عام 1997، بعد مقتل رابين ووصول بنيامين نتانياهو إلى رأس الحكومة الإسرائيليّة. وتفيد كل الدراسات التي أجراها الاسرائيليّون هناك بأن مخزون النفط والغاز “يكفي إسرائيل لأربعة قرون”. بينما ذهب الإقتصادي الألماني وليام غاندال للتأكيد بأن “إحتياطي ثروة
الجولان النفطيّة، يوازي إحتياطي آبار السعوديّة”. لذلك، يتوافق الأميركيّون والإسرائيليّون على ترسيخ السيطرة على الجولان، لإستثمار نفطه وغازه، بعد تأسيس شركة “جيني انرجي” عام 2011 في ولاية نيو جرسي الأميركيّة كشركة قابضة، وتشكيل المجلس الاستشاري الإستراتيجي للشركة من نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني، وصاحب الإمبراطوريّة الإعلاميّة الدوليّة روبرت مردوخ، وآخرين نافذين في السلطة والمخابرات الأميركيّة، فأسّست الشركة أخرى فرعية لها في إسرائيل تحمل إسم “أفيك للنفط والغاز” الإسرائيليّة-الأميركيّة برئاسة ايفي ايتام، ومهمّتها البحث التجريبي عن النفط والغاز الصخري في هضبة الجولان، وبالفعل تمّ العثور على النفط في البئر الاستكشافي الأول الذي حفرته الشركة في منتصف عام 2015. ولا يزال العمل ناشطاً بإدارة وتوجيه الشراكة بين مردوخ نفسه وصهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب جاريد كوشنير، إلى جانب أسماء إقتصاديّة مهمّة في عالم الصفقات النفطية الدوليّة.
ولأنّ ترامب يهتم بالإيرادات الماليّة، أقدم على تسريع خطواته بشأن
الجولان إلى حدود الإدعّاء أنها لإسرائيل، بسبب إدارة واشنطن للملفّ النفطي والغازي في الجولان، وضمّ عائداته إلى جانب عائدات تتقاسمها الولايات المتحدة مع إسرائيل، إلى جانب عائدات أخرى للأميركيين تُجنى من آبار الشرق السوري ايضا. فالوجود الاميركي في شرق الفرات ليس للكرد ولا لحماية إسرائيل، بل لإستثمار الثروات الطبيعية.
فكيف سترد سوريا على خطوة ضم
الجولان لإسرائيل رسمياً؟
امام دمشق طريقان: التفاوض، أو المقاومة. وإذا كان الخيار الاول صعب الترجمة الاّ وفق الإنسحاب بشروط سوريّة، كما طروحات العقود الماضية، فإنّ الخيار الثاني هو الأسهل للسوريين. فلننتظر.
النشرة