على مقربة من الباب الصغير أحد ابواب العاصمة السورية التاريخية والذي منه أخذت المقبرة إسمها تكتشف أنه لا متسع لموطئ قدم في هذا المكان الواسع. يرى المؤرخ عبد الرزاق الحمصي بأن " أهمية المقبرة التاريخية تعود لكون الدفن فيها بدأ فيها منذ الالف الأول قبل الميلاد وما يزال وأن اغلب عظماء دمشق مدفون فيها، بالإضافة إلى أهم الشخصيات الإسلامية التاريخية أئمة وعلماء ومؤرّخون بالإضافة إلى كتّاب ورؤساء وشعراء وفلاسفة وأضاف" كلهم يجتمعون من أزمنة تاريخية مختلفة قديمة وحديثة في إحدى أهم وأقدم مقابر دمشق، كما دفن فيها شهداء كربلاء وال البيت عليهم السلام وزوجات الرسول" وتابع الحمصي " أ من العظماء أيضاً الفارابي الذي تنقل بين بغداد ودمشق وتوفي فيها حيث ذكر معظم المؤرخين أن وفاة الفارابي كانت عن عمرٍ يناهز التسعة والسبعين أو الثمانين عام تقريباً في العام 339 هـ ودفن في دمشق، وصلى عليه سيف الدولة الحمداني في أربعة عشر أو خمسة عشر من خواصه ودلّ كلام المؤرخين على أن وفاته كانت طبيعية.
على ضريح الفارابي في مقبرة باب الصغير والذي شغل العالم بفكره عبارة غاية في البساطة حيث كتب " هذا ضريح العالم والفيلسوف والأديب والموسيقي الإسلامي محمد بن طرخان بن أوزلغ المشهور بأبي نصر الفارابي" وانت تتنقل بخطوات بطيئة بين القبور وتتأمل في من يسكنها تنصت السمع جيداً لتستمع للفارابي يعيد دوزنة قانونه وفلسفته في الطريق الى قبر الفارابي لقراءة الفاتحة لابد أن تستذكر قيل عن الحكماء بأن الحكماء أربعة: اثنان قبل الإسلام أفلاطون وأرسطو، واثنان في الإسلام أبو نصر الفارابي وأبو علي بن سينا، وكما لقب أفلاطون بالحكيم الإلهي وأرسطاطاليس بالمعلم الأول، لقب الفارابي بالمعلم الثاني، وابن سينا بالشيخ الرئيس."
وهذا ما أشار اليه الدكتور أحمد غنام عضو هيئة تدريسية في قسم الفلسفة في مجمع الفتح الإسلامي في دمشق حول فلسفة الفارابي مبينا أن "فلسفة الفارابي في جملتها مذهباً روحانياً متسقاً تمام الاتساق، وبعبارة أدق مذهباُ عقلياً، وكل ما هو مادي محسوس فمرده إلى القوة المتخيلة، ويمكن اعتباره صورة مشوشة، والوجود الحقيقي إنما هو العقل". ويتابع غنام " عاش الفارابي في عالم العقل ابتغاءً للخلود، كملكاً في عالم العقل، ومن يقرأ الفارابي يجد في تفكيره طرافة ونضوجا وفهماً عميقاً يدل على طول تأمل في الفلسفة." ويقول مصطفى عبد الرزاق الشيخ والفيلسوف "ولئن كانت الأجيال تهتف باسم الفارابي منذ ألف عام في الشرق والغرب، فإنه قد استحق ذلك بما وهب حياته لخدمة العلم والحكمة" في مقبرة باب الصغير، وانت تقف امام قبر الفارابي، سيل من الأفكار تتسارع امامك، فالرجل الذي برع في علوم الفلسفة والمنطق والفيزياء والموسيقا والطب والأخلاق لطالما كان وما يزال محط إعجاب الدمشقيين ولم ينسوه واحتفوا به كشخصية الدورة الثلاثين من معرض الكتاب في دمشق، حيث عرضت مخطوطات نادرة تحتفظ بها مكتبة الأسد للفارابي، ما يعزز ان ما يبقى من الانسان هو العمل الذي يصل الى ابعد من حدود الابداع الإنساني.
هنا في مقبرة الباب الصغير يجتمع كبار الشخصيات المؤثرة والتي كانت دمشق شاهد على عظمتهم عبر العصور الراقدين من مفكرين ورجال دين في قلب العاصمة دمشق حيث تتلاقى الأفكار في حوار فكري فلسفي إسلامي لا ينتهي ليرفد الحضارة الإنسانية بما هو غني ومفيد.