كيف سيبدو شكل الأفلام بعد 20 عاما؟

الثلاثاء 14 مايو 2019 - 10:36 بتوقيت غرينتش
كيف سيبدو شكل الأفلام بعد 20 عاما؟

فتحت التطورات التكنولوجية المتلاحقة أفاقا هائلة في مجال صناعة الأفلام السينمائية، ويسأل ليوك باكماستر بعض الخبراء عن مستقبل الأفلام السينمائية؟

منذ عقود مضت تنبأ البعض بظهور أفلام بتقنية الواقع الافتراضي تتيح للمشاهد الانغماس كليا في الفيلم السينمائي. وفي عام 1955، تنبأ المصور السينمائي مورتون هيليغ، في مقالة بعنوان "السينما في المستقبل"، بأن صناعة الأفلام السينمائية ستشهد تطورا كبيرا مستقبلا إلى حد "يجعل المشاهد يعيش التجارب العلمية الجديدة بكل حواسه وينتقل إليها بوعيه ليتفاعل مع تفاصيل أحداثها". وذكر هيليغ الكثير من خصائص تقنية الواقع الافتراضي، من دون أن يذكرها بالاسم، لأن المصطلح لم يكن قد صيغ بعد.

والآن هذا المستقبل الذي تنبأ به نعيشه الآن، مع أننا لا نزال أبعد ما نكون عن الواقع الافتراضي الذي ظهر في بعض الأفلام والمسلسلات التليفزيونية ويؤثر على العقل فيُفقد المرء القدرة على التمييز بين الواقع والخيال.

ويمكن تشبيه المرحلة الحالية في صناعة السينما، التي حلت فيها كاميرات التصوير بزاوية 360 درجة محل الكاميرات التقليدية، بالفترة ما بين أواخر القرن التاسع عشر ومستهل القرن العشرين، التي شهدت التجارب المبكرة للأفلام السينمائية.

وباختصار، نحن نشهد بداية ثورة في مجال صناعة الأفلام، إذ فتحت التطورات التكنولوجية المتلاحقة - مثل انتشار تقنية الواقع المعزز والذكاء الاصطناعي وتزايد قدرة الكمبيوتر على التحكم في العوالم الرقمية- آفاقا لا حدود لها أمام صناعة الأفلام السينمائية.

تجارب خاصة

يرى كريس ميلك، الفنان والخبير في تقنية الواقع الافتراضي، أن الأفلام في المستقبل ستقدم تجارب خاصة مصممة وفقا لاختيارات كل مشاهد على حدة. ويقول كريس، في حوار مع بي بي سي، إن هذه التجارب: "ستتيح لك تشكيل القصة وقت عرضها، لترضي ذوقك وحدك، وتلبي أهواءك وميولك".

ويفضل ميلك وصف هذه التجارب بأنها "معايشة تفاصيل القصة"، وليس "سرد القصة" كما هو الحال الآن. ويرى أن التجارب السينمائية ستتطور بحيث تشعر أنها طبيعية وحقيقية تعيشها كما تعيش يوما معتادا في حياتك، لكنها تحمل سمات القصص المثيرة التي اعتدنا سماعها.

وفي إحدى المحاضرات التي ألقاها في مؤتمر "تيد" عام 2015، حول الآفاق الفنية للواقع الافتراضي، رأى ميلك أن التطورات الجديدة في مجال الذكاء الاصطناعي ستتيح للشخصيات التي ابتكرها الكمبيوتر، التفاعل مع الجمهور أثناء عرض الفيلم، ويشبهها ميلك بالشكل المتطور من المساعد الشخصي "سيري"، لكنه مجسد على هيئة شخصية داخل فيلم.

وبالرغم من أن ميلك لا ينكر أن هذه الشخصيات القادرة على التحدث والتفاعل معك في الفيلم كما لو كانت بشرا مثلك، لم تظهر حتى هذه اللحظة، إلا أنه يرى أننا قد نراها في أي وقت، حتى قبل 20 عاما.

فضاء ثلاثي الأبعاد

تقول نوني دي لا بينا، صحفية ومعدة أفلام وثائقية لقبتها صحيفة "وول ستريت جورنال" بأنها "الأم الروحية للواقع الافتراضي"، إن أول عبارة تطرأ على ذهنها بمجرد التفكير في مستقبل الأفلام هي "الفضاء ثلاثي الأبعاد"، الذي يقف على طرف النقيض من الأفلام ثنائية الأبعاد التي نشاهدها على الشاشات اليوم.

تقول دي لا بينا: "ستظل الأفلام ثنائية الأبعاد تعرض على الشاشات، شأنها كشأن المذياع الذي لن يختفي من حياتنا، لكن صناعة الأفلام ستتطور لا محالة".

وتضيف: "ستعرض الأفلام تجارب مجسدة، تتيح لك التجول في جنباتها، والتفاعل معها في بيئة ثلاثية الأبعاد، لأن جمهور الشباب الذي اعتاد على التجارب المجسدة، يريد أن يكون كل شيء في حياته مجسدا، من أرائه إلى تعليمه".

صورة افتراضية من العالم

أخرج يوجين تشانغ فيلم "ألوميت" بتقنية الواقع الافتراضي، الذي أشاد به جميع النقاد، ووصف بأنه من الروائع الفنية، ورأى البعض أن كفاءة المخرج تضاهي كفاءة بعض رواد الإخراج السينمائي الأمريكيين مثل دي دبليو غريفيث.

وتدور أحداث الفيلم في مدينة في المستقبل تطفو فوق السحب، واستُخدم في إنتاج الفيلم تقنية تسمى "ست درجات من حرية الحركة"، التي تتيح للمشاهد التحرك ماديا وفعليا في عالم الفيلم.

ويرى تشانغ أن تقنية الواقع الافتراضي مستقبلا ستتداخل مع سحابة الواقع المعزز، التي تعد خريطة ثلاثية الأبعاد يجري تحديثها بشكل متواصل، وتوصف بأنها النسخة الرقمية للعالم.

ويشبه يوجين سحابة الواقع المعزز بالشكل المتطور المفعم بأدق التفاصيل من تطبيق "غوغل إيرث"، حيث تستطيع نسخ العالم بأكمله، وليس الشوارع فقط. ويضيف: "هذه التقنية ستمتزج مع أحدث تقنيات الواقع الافتراضي".

وحول توقعاته عن صناعة الأفلام مستقبلا يقول تشانغ: "ستكون القصص في كل مكان حولك، فقد تستيقظ في الصباح مثلا، وتجد إلى جوار فراشك طاولة وسيكون بإمكانك اختيار الشخصية التي تجالسها".

فن التيقظ الذهني

وترى لينيت وولويرث، مخرجة فيلمي "الاصطدام" و"أوافينا"، بتقنية الواقع الافتراضي، والحائزة على جائزة "إيمي"، أن التجارب السردية مستقبلا عبر الواقع الافتراضي ستتيح طرقا جديدة لإثارة مختلف الحواس.

وتقول وولويرث: "ستتكشف لنا بعض الجوانب من العالم كما يراه على سبيل المثال شخص مصاب بالتوحد، إذ سنكتشف بحواسنا تفاصيل دقيقة من التجربة في العالم الافتراضي لم نكن قادرين على استكشافها في الأشكال الفنية الأخرى".

وترى وولويرث أن الواقع المعزز والواقع الافتراضي سيسمحان للمشاهد بالتحكم بقدر أكبر في أحداث الفيلم، من خلال النظارات التي تتيح لهم اختيار اللقطات التي يشاهدونها، حتى ينغمسوا تماما في التجربة.

وتقول وولوورث إن هذه النظارات ستتيح لك متابعة الفيلم التقليدي على شاشة السينما ثم تغيير شكل المشهد، بحيث تجلس أنت على سبيل المثال إلى جوار البطلة وهي تقود سيارتها بسرعة فائقة.

ووصف ستيفين سبيلبيرغ تقنية الواقع الافتراضي بأنها "خطيرة"، لأن المخرجين سيكونون أقل تحكما في مجرى أحداث الفيلم مقارنة بالأفلام غير التفاعلية، وحذر في عام 2016، من أن المجال الافتراضي: "يتيح للمشاهد حيزا كبيرا من الحرية لتغيير أحداث الفيلم وقت عرضه واختيار مسار الأحداث الذي يفضله".

وقد يرى البعض أن هذا النوع من التجارب التي تتيح للمشاهد تشكيل مجرى الأحدث أمر إيجابي، وليس سلبيا. وهذا يتفق مع توقعات هيليغ بأن السينما مستقبلا "لن تكون فنا بصريا، بل فنا يغمر الفكر والحواس"، وهذا هو الفرق بين سرد القصة، وبين معايشة تفاصيلها.

جميع الحقوق محفوظة لقناة العالم سورية 2019