وكشف خبراء المناخ أن ظاهرة القباب الحرارية وظواهر جوية أخرى تقف وراء موجات الحرارة التي شهدت أعلى درجات يومية منذ آلاف السنين. فما الظواهر الجوية؟ وكيف تحدث؟
حرارة قياسية
ووفق الأرقام الأولية التي أوردها تقرير نشرته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية فقد شهد يونيو/حزيران الماضي أعلى متوسط درجات حرارة عالمية على الإطلاق، في حين يتواصل خلال يوليو/تموز الجاري تسجيل أرقام قياسية جديدة للحرارة في دول حوض المتوسط ومناطق أخرى من العالم.
ففي الثلاثاء 18 يوليو/تموز الجاري سجلت محطات قياس الحرارة في مدينة ليكاتا في جزيرة صقلية الإيطالية حرارة غير مسبوقة بلغت 46.3 درجة مئوية.
وفي اليوم نفسه وصلت درجة الحرارة في فيغيريس في مقاطعة كتالونيا الإسبانية، إلى مستوى قياسي بلغ 45.3 درجة مئوية، في حين سجلت مقاطعة فردان شمال شرق فرنسا لأول مرة على الإطلاق 40.6 درجة مئوية.
وكانت مناطق كثيرة من شمال أفريقيا قد شهدت أرقاما قياسية في درجة الحرارة، وفق الأستاذ عامر بحبة الباحث في المخاطر الطبيعية في جامعة تونس في حديث خاص مع الجزيرة نت عبر الهاتف.
ففي التاسع من يوليو/تموز الجاري، على سبيل المثال، سجلت مدن توزر ودوز في جنوب تونس، والبصرة في العراق، أعلى درجات الحرارة على وجه الأرض في ذلك اليوم بارتفاع الزئبق إلى 49 درجة مئوية، وقبل يوم من ذلك عرفت مدينة القيروان أعلى درجة حرارة لها على الإطلاق خلال يوليو/تموز.
ويتواصل في شمال القارة الأميركية تحطيم أرقام قياسية جديدة في درجة الحرارة بدأ منذ أواخر يونيو/حزيران الماضي، حيث عرفت مدينة فينيكس في ولاية أريزونا الثلاثاء الماضي أعلى درجة حرارة على الإطلاق بلغت 47.2 درجة مئوية.
ما القباب الحرارية؟
ولئن كان الصيف هو موسم الحرارة في نصف شمال الكرة الأرضية، فإن موجات الحر المتواصلة حاليا تعد غير معتادة خاصة في المناطق المعروفة بطقسها المعتدل. ويرجع الخبراء هذه الموجات إلى بعض الظواهر الجوية والمناخية مثل القباب الحرارية.
ويشير هذا المصطلح إلى ظاهرة جوية تتكون من كتلة من الهواء الجاف الساخن التي تستقر في أجواء بعض المناطق لفترة طويلة نسبيا من الزمن نتيجة الضغط الجوي العالي، مما يؤدي إلى حبس الحرارة وارتفاع درجات الحرارة على سطح الأرض.
ويعمل الضغط العالي في الغلاف الجوي مثل القبة أو الغطاء الذي يحتفظ بالحرارة على سطح الأرض ويمنعها من الإفلات نحو الأجواء العليا للغلاف الجوي. هذا الغطاء يمنع الهواء الساخن من الصعود والتيارات الهوائية الباردة من النزول في الوقت الذي يسمح بنفاذ أشعة الشمس التي تعمل على مزيد من تسخين تلك المنطقة.
كيف تشكلت القبة الحرارية فوق المتوسط؟
لا تعد القباب الحرارية ظاهرة جديدة وفق الخبراء، لكنها أصبحت في السنوات الأخيرة أكثر تواترا. ويعود تشكلها إلى أسباب مختلفة أهمها الاحتباس الحراري الذي يعمل على إضعاف التيار النفاث المار عبر شمال المحيط الأطلسي وزيادة تأثير الضغوط الجوية العالية على إحداث اضطرابات في أنماط دوران الرياح حول الأرض.
كما يربط الخبراء تشكل هذه القباب بسخونة مياه سطح المحيطات والبحار التي تتأثر بهذه الظاهرة. وتبدأ هذه الحلقة عندما تتبخر مياه البحر بفعل الحرارة، فيسخن الهواء مثلما يحدث عندما يسخن الماء في مقلاة بدون غطاء. لكن نظام الضغط المرتفع داخل القبة الحرارية الجاثمة فوقها يحتجز هذا الهواء الساخن المحمل بالرطوبة؛ مما ينتج عنه درجات حرارة أكثر ارتفاعا على السطح.
وقد أظهرت تقارير علمية ارتفاعا ملحوظا في مياه سطح المناطق الغربية من البحر المتوسط وشمال المحيط الأطلسي وغرب البحر المتوسط منذ بداية يوليو/ تموز الجاري بالتزامن مع ظاهرة القباب الحرارية.
ووفق الخبير التونسي عامر بحبة فإن منطقة شمال أفريقيا وجنوب المتوسط عادة ما تكون منطقة جافة وحارة في مثل هذه الفترة من العام تحت تأثير مرتفع جوي مثل المرتفع الآزوري (نسبة لجزر برتغالية في شمال الأطلسي) الذي يمنع الهواء البارد من النزول. والمرتفع الأفريقي الذي يجلب معه الكتل الهوائية الحارة.
والقبة الحرارية التي تهيمن على أجواء المنطقة حاليا، تشكلت –وفق الخبراء– نتيجة إعصار مضاد قدم من الصحراء الكبرى يُدعى "سيربيروس" (Cerberus).
وأدى وصول هذا الإعصار المضاد الذي يتشكل حول منطقة ضغط مرتفع وليس حول منطقة ضغط منخفض، إلى رفع درجات الحرارة في حوض المتوسط إلى مستويات قياسية ومنع تكوين السحب والتقلبات الجوية التي تأتي عادة من المحيط الأطلسي.
ظاهرة الفون
ظاهرة جوية أخرى ساهمت أيضا في زيادة حدة موجات الحرارة محليا في بعض مناطق شمال أفريقيا وجنوب أوروبا، وهي تأثير "الفون" (foehn). وهي ظاهرة في الأحزمة الجبلية الشاهقة في كثير من بلاد العالم نتيجة رياح جافة ودافئة تهب من قمم الجبال على الوديان المجاورة لها.
هذه الظاهرة تهيمن على مناطق مثل التي تقع حول منطقة "مجردة" في شمال تونس المعروفة بطقسها المعتدل نسبيا مقارنة بالجنوب، وفق الأستاذ عامر بحبة. وهي تحدث عندما يتحرك هواء الصحراء الحار القادم من الجنوب في اتجاه المرتفعات، حيث يفقد حرارته نتيجة ارتفاع التضاريس. وعند نزوله إلى المناطق المنخفضة تزيد سرعته مما يسبب ارتفاعا في درجة الحرارة من جديد نتيجة احتكاك جزيئات الهواء بسفوح الجبال.
وتحدث هذه الظاهرة أيضا في المناطق المماثلة في شمال سلسلة جبال الأطلس في الجزائر والمغرب، وحول المناطق الجبلية في جنوب أوروبا مثل جبال الألب؛ حيث اكتُشف هذا التأثير في القرن الـ19، وكذلك في مناطق أخرى من العالم.
وهذه الموجات الحرارية الطويلة قد تصبح في المستقبل جزءا من الظواهر الطبيعية المعتادة، وفق الخبراء، إذا لم تُتخذ إجراءات أكثر حزما للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية