فمع تقدمنا في السن، نحافظ على صداقاتنا مع الأشخاص الذين يفهموننا ويدعموننا حقا، وهذه الروابط الحقيقية والعميقة نادرة، ونحن نوليها أهمية متزايدة مع تقدمنا في العمر، إذ تمثل مثل هذه الصداقات الأصدقاء "الحقيقيين" الذين صمدوا أمام اختبار الزمن.
فهم التغيرات
يقول المختص في الطب النفسي الدكتور وائل المومني إن علاقات الأصدقاء تتغير مع تقدم الفرد في السن نتيجة لعوامل نفسية واجتماعية متعددة. وإن فهم هذه التغيرات يمكن أن يساعد في التعامل معها بشكل صحي وفعال.
ويشرح المومني للجزيرة نت، أنه:
من الناحية النفسية، يمكن أن يعود ذلك إلى تغير أولويات الفرد نتيجة لنموه الشخصي والمهني. فمع تقدم السن، يمكن أن يكون لدى المرء مسؤوليات أكبر مثل العمل والأسرة، مما يجعل لديه وقتا أقل للقاء الأصدقاء.
ويوضح المومني أنه يمكن أن تتغير اهتمامات الإنسان واحتياجاته الاجتماعية، مما يعني أنه قد يشعر بأنه يحتاج إلى أصدقاء يشاركونه الاهتمامات والقيم نفسهما.
من الناحية الاجتماعية، يمكن أن يكون هناك تغير في الدائرة الاجتماعية للفرد، بسبب تغيير مكان الإقامة أو العمل مع مرور الوقت، مما يؤثر في فرص لقاء الأصدقاء القدامى.
وإضافة إلى ذلك، يمكن أن تنمو علاقات جديدة مع زملاء العمل أو أشخاص آخرين في الحياة الاجتماعية، مما يؤدي إلى تغيير في ديناميات الصداقة، وفق المومني.
من الناحية الصحية، يمكن أن تكون هذه التغيرات إيجابية إذا تمت معالجتها بشكل سليم. فإذا قام الفرد بإعادة التقييم بشكل منتظم لعلاقاته الاجتماعية وضبط توقعاته، يمكن أن يتطور في اتجاه علاقات أكثر صحة وتوافقا.
إعادة التقييم
يوضح المختص المومني كيفية بدء عملية إعادة التقييم، ويتضمن:
التفكير في الأهداف الشخصية: يجب على الفرد التفكير في ما يريد تحقيقه من علاقاته الاجتماعية، وما هي أولوياته في هذا الصدد.
التواصل المفتوح: يجب على الأصدقاء التواصل بشكل صريح بشأن احتياجاتهم وتوقعاتهم من العلاقة.
البحث عن فرص للتواصل: يجب البحث عن فرص للقاء الأصدقاء، والمشاركة في الأنشطة التي يستمتع بها معهم.
الاستمرار في الاهتمام بالعلاقات القديمة: يجب الاهتمام بالصداقات القديمة، والحفاظ على التواصل مع الأصدقاء السابقين.
وفي النهاية، يمكن أن تتغير علاقات الأصدقاء مع تقدم الفرد في السن، وهذا أمر طبيعي -وفق المومني- الذي يرى أن الأمر المهم هو التعامل مع هذه التغيرات بشكل إيجابي وصحي، والبحث عن طرق للحفاظ على العلاقات القديمة، وبناء علاقات جديدة تلبي احتياجات الفرد في الوقت الحالي.
الصداقات تحتاج لطاقة ذهنية وعاطفية
بدورها، تقول الباحثة والمستشارة الاجتماعية الدكتورة فاديا إبراهيم -للجزيرة نت- إن "الصداقات تحتاج إلى الوقت والطاقة الذهنية والعاطفية والقدرة الجسدية على القيام بالممارسات الاجتماعية الخاصة، من زيارات ولقاءات والمشاركة الدائمة بالمناسبات والتواصل الدائم".
وتضيف فاديا إبراهيم لذلك عندما نكبر بالعمر تقل صداقاتنا حيث نملك الوقت، لكننا لا نملك الطاقة الكافية للاستمرار بها.
وتتابع مع مرورالوقت تتغير ظروف الحياة وظروف الناس، فبعض الأصدقاء قد يسافر أو يغير مكان سكنه أو يمرض أو يتوفى، لذلك تقل صداقاتنا كلما تقدم بنا العمر.
وتستطرد فاديا إبراهيم "لا ننس أيضا أن الغاية الأساسية من بناء الصداقات هي الاستمتاع، وهذه الرغبة تقل بالطبيعة البشرية كلما تقدم الإنسان بالعمر، وبما أن الصداقة علاقة اختيارية وليست إلزامية، فنضطر مع مرور الوقت إلى الاستغناء عن بعضها".
الأولويات تتغير
تقول المستشارة فاديا إبراهيم "لا ننس أن الأولويات مع التقدم بالسن تتغير فقد يعطي البعض أولوية للاهتمام بصحتهم، مثلا، إذا كانوا يعانون من ظروف صحية، أو الاعتناء بالعائلة والأحفاد.
وتضيف فاديا بالنسبة لمدى تأثير تقليل الصداقات مع التقدم بالعمر، فهذا شيء طبيعي في العلاقات الاجتماعية ولا يستلزم القلق، لأن أغلب الدراسات الاجتماعية أكدت أن عدد الأصدقاء يقل مع التقدم بالعمر، وكذلك عدد الساعات التي تقضى مع أصدقاء يقل أيضا.
لكنها فاديا إبراهيم لفتت إلى عدم التقليل من أهمية الصداقة في كل المراحل العمرية، لأنها "تمنح الدعم العاطفي والاجتماعي".
وتؤكد أن الدعم العائلي والأسري يؤثر في أهمية الصداقة، فقرب الزوج/الزوجة واهتمامه يُغني في أحيان كثيرة عن الصداقة، إلى جانب اهتمام الأبناء ووجودهم بشكل دائم في حياتنا، ووجود الأحفاد الذي يوفر الشعور بالأمان والاهتمام والدعم والمساندة الاجتماعية الكافية.
لماذا نفقد الأصدقاء مع تقدمنا في السن؟
يبين تقرير نشره موقع "ذا ادفيسابيل" بعض الأسباب الأكثر شيوعا لفقدان الصداقات مع تقدمنا في السن، ومنها:
إدراك أن لديك الوقت فقط للأصدقاء الحقيقيين: مع تقدمك في السن تدرك من هم أصدقاؤك الحقيقيون، أولئك الذين ظلوا بجانبك في السراء والضراء، هؤلاء هم الأصدقاء الذين ستستمر في تخصيص الوقت لهم.
أنت تعرف نفسك بشكل أفضل وتعرف ما احتياجاتك: مع تقدمك في السن، أصبحت تعرف نفسك بشكل أفضل، وأصبحت تعرف الآن ما تحتاجه وما لا تحتاجه في حياتك. لهذا السبب من الطبيعي أن يتباعد بعض الأصدقاء مع مرور الوقت، بسبب اختلاف احتياجاتهم واهتماماتهم.
تدرك أن الجودة أهم من الكمية: ببساطة تدرك أنك لا تحتاج إلى كثير من الأصدقاء لتكون سعيدا.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية