وأوضح عربش بأن مجرد المقارنة بين موازنتي عام 2023 و2024، يُلاحظ وجود ارتفاع بالأرقام تصل نسبته إلى 133 بالمئة وهذه هي نسبة التضخم التي اعترفت بها الحكومة ضمناً، إن لم تكن أكثر من ذلك، مشيراً إلى أن هذا الارتفاع سيؤدي إلى ارتفاع بنسبة عجز الموازنة، أي إن التمويل سيتم بالعجز، وهذا ما سيتسبب بموجة جديدة من التضخم في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
وفي السياق، بيّن عربش أن نسب التضخم في عام 2023 مرّت بمرحلتين، كان أيلول الفاصل بينهما، محملاً ذلك إلى قرارات رفع أسعار المشتقات النفطية التي ترافقت مع المراسيم الرئاسية القاضية بزيادة الرواتب ورفع التعويضات لفئات معينة للعاملين في الدولة والتعديل على شرائح الضريبة على الدخل، مشيراً إلى أن هذه القرارات انعكست على جميع مناحي الحياة سواء من ناحية تكاليف العملية الإنتاجية أو تكاليف الخدمات، مقدّراً معدل التضخم في العام الماضي بنسبة 180 بالمئة قياساً بالتغيرات الطارئة على أسعار كل السلع والتي وصل ارتفاعها إلى 300 بالمئة، ما شكل عبئاً كبيراً على المواطن الذي أصبح يشتري كميات قليلة من البضائع بأثمان كبيرة جداً، ما يدل على أن المستوى المعيشي تراجع بشكل كبير، لعدم توافق زيادات الدخول مع ارتفاع الأسعار.
وقال عربش: «كما أن الحكومة أصدرت الكثير من قرارات رفع أسعار المشتقات النفطية العام الماضي وبشكل متسارع، دون أن توفّر هذه المواد بالأسواق بقدر يكفي حاجة الناس، وبالتالي ترافق هذا النقص بالمعروض مع ارتفاع الأسعار بالسوق السوداء، ما أدى إلى موجة تضخمية كبيرة أكبر مما كان محسوباً على السعر الرسمي».
ورأى عربش أن الحكومة تكرر ذلك في العام الجديد، حيث أصدرت قراراً برفع سعر المازوت المخصص للنقل باستثناء النقل الجماعي إلى 11880 ليرة، لتلحقه بقرار آخر يخفض مخصصات سيارات الشحن بنسبة 50 بالمئة، ما سيضطر أصحاب هذه الشاحنات للجوء إلى السوق السوداء لتأمين حاجتهم والاستمرار بالعمل، وهذا ما أثر في أسعار النقل بشكل مخيف، فقد ازدادت أسعار السلع المنقولة بين المحافظات بشكل كبير وخاصة تلك الخضر المنتجة بالبيوت البلاستكية، فعلى سبيل المثال وصل سعر كيلو البندورة في دمشق إلى 9000 ليرة بعد هذا القرار بعد أن كان بـ6000 ليرة، أي إن تكاليف النقل باتت تشكل أكثر من 20 بالمئة من السعر النهائي للسلعة.
وأشار عربش إلى أن الحكومة اتخذت في عام 2023 الكثير من الإجراءات بحجة توجيه الدعم إلى مستحقيه، وهذا الأمر لم يحصل، وإنما أصبح العاملون بالقطاع العام هم من يدعمون الحكومة من خلال أجورهم وليس العكس، وهذا ما أدى إلى تقاضي الكثير من موظفي الدولة «إكرامية» من المواطنين لقاء الخدمات التي يقدمونها لهم، مسمّياً ذلك بأنه فساد بالإكراه، متابعاً: «كما يؤخذ على الحكومة بأنها تسعّر كل ما تشتريه وكل ما تبيعه، وأنها لا تدفع الأجر العادل لقوة العمل، وهي تخالف بذلك الدستور الذي نص على ضرورة منح أجور تضمن حياة كريمة لمن يتقاضاها».
ومن جهة أخرى، تأسف عربش لوجود سلع كثيرة لم يعد بمقدور الكثير من السوريين شراءها، وذلك بسبب ارتفاع أسعارها مقارنة بدخولهم المنخفضة، ناهيك عن الارتفاع الكبير بأسعار المأكولات الشعبية من معجنات وفول ومسبحة بسبب ارتفاع أسعار المادة الأولية وحوامل الطاقة، فقد أصبح معظم السوريين يأكلون ليملؤوا بطونهم فقط، دون البحث عن أي قيمة غذائية لما يأكلون، وكل ذلك يعد نتيجة للقرارات الحكومية الخاطئة التي خلقت موجات تضخمية كبيرة.
ولم ينكر عربش وجود أعباء كبيرة تتحملها الحكومة لأسباب مختلفة منها الحرب التي تعرضت لها سورية والتي امتدت سنوات طويلة، ولكن بالمحصلة فإن الحكومة تفاقم من خلال إجراءاتها الآثار السلبية لهذه الحرب، فهي لا تنظر بمنظور إستراتيجي لواقع دولة تعاني من حرب منذ 13 عاماً، وإنما تصب كل إجراءاتها على إمكانية تخفيض حجم العجز بالموازنة إلى أقل قدر ممكن، وذلك على حساب المواطنين، وخصوصاً العاملين بأجر وأصحاب الدخل المحدود.
ومن جهة أخرى، أكد عربش أن الحكومة تحاول اتخاذ إجراءات تعتقد أنها ستحقق نجاحاً لها، يتمثل ذلك بالمحافظة على سعر الليرة وعدم تراجعها أكثر، وتخفيف عجز الموازنة، وبالتالي فهي تعمل لمصلحتها وليس لمصلحة الوطن.
واعتبر أن الحكومة تفاقم الأزمة من خلال تدخلها بكل شاردة وواردة بالحياة الاقتصادية، ناهيك عن إجراءاتها التقييدية المتعلقة بحركة الأموال والتعامل بغير الليرة السورية وآلية الاستيراد، وتحريك أسعار المشتقات النفطية التي تنعكس سلباً على المواطن، فمثلاً ما زالت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية هي المتحكم بعملية الاستيراد والتصدير، وتحرص من خلال أرقامها على تبشير المواطن بأن الاستيراد قد انخفض من خلال ترشيد المستوردات وأن التصدير قد ازداد، فالحكومة تتغاضى عن حقيقة أنها كلما ضيقت الخناق على الاستيراد النظامي ازداد الاستيراد تهريباً، وبالتالي فإن ذلك لم يخفف الضغط على الليرة السورية، لأن التهريب يستهلك القطع الأجنبي بطريقة أو بأخرى، ما يؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار وزيادة التضخم في ذات الوقت، مضيفاً: «لقد آن الأوان لتنسحب الحكومة من دورها كفاعل اقتصادي إلى مؤمن لمناخات اقتصادية سليمة تسمح بحرية اقتصادية كبيرة، وتخلق منافسة حقيقية بالأسواق».