إذا كان
مسلسل أهل الغرام قد روى لنا بطريقة شائقة قصص العشق التي لا يكللها الزواج، فإن
مسلسل شبابيك قد تحدث عن مرحلة ما بعد الزواج ومشاكلها تاركاً الحكم للمتلقي.
فبدءاً بالشبّاك الأوّل (خطيفة) وجدته صادماً إلى حدّ كبير، يقدّم قصة عشق بطريقة مختلفة ليقول الحب وحده لا يكفي للزواج فلابد من وجود الثقة ومباركة الأهل -إن صحّ التّعبير-.
فرهف التي خالفت أهلها ودافعت عن حبّها صارت مصدر شك نسبة لحبيبها الذي صار زوجها، فبرأيه من خانت أهلاً ربّوها خمسةً وعشرين عاماً يمكن أن تخون زوجاً لم يمضِ على زواجها منه سنة، ويبقى الشبّاك مفتوحاً على قصة أختها التي وقعت في غرام شاب مرفوض من أهلها.
أمّا شباك (إجهاض عائلي) فيصوّر قسوة الصدمة التي يعيشها عماد. فما أصعب أن يعيش المرء موهوماً بزوجته عمراً كاملاً. رهف الطبيبة التي كانت في عينيه وعيني المجتمع مثال الأخلاق يكون لديها عيادة غير شرعية تقوم بها بعمليّات إجهاض غير شرعية، فعماد لم يصدّق الأمر حتى عاين بعينيه الموضوع برفقة المحامي الذي قام بالتستر على جريمة وفاة إحدى مريضاتها، والذي قام بإخراجها من السجن بصك براءة. ورغم كل ذلك يصرّ عماد على أن تبقى رهف في عيني ابنتها الأم المثالية.
أمّا (واتس آب) فتصوّر دخول العالم الافتراضي عالمنا بصورة شرسة فعماد المثالي في علاقته بزوجته غارق في عالم الواتس آب يستغل انشغال زوجته بطفلها وبيتها تاركاً لنفسه فرصة التسلّي والتعارف مع الفتيات.
وتأتي حلقة (حلم خاتم ذهب) لتذكّرني بقصيدة نزار قباني (شؤون صغيرة) التي بدايتها شؤون صغيرة تمرّ بها من دون التفات تساوي لديّ حياتي كلّ حياتي
فها هي رهف تستعيد شغفها بالخياطة بعد خاتم ذهب أتاها بالخطأ من زوجها ليلة عيد الحب. فمن منّا يمكن أن يعيش من دون الاهتمام هذا الاهتمام الذي يجعلنا نجوهر ونعطي أقصى حدود العطاء.
وفي (شبّاك الكاتبة) تظهر أنانية الرجل، فهمّه الوحيد أن يصير كاتب سيناريو مهماً بقلم زوجته، ولو كان الثمن صوتها الذي غيّبته صدمة فراق الأب، هذا الصوت المغيّب قد تركه زوجها مغيباً بتقارير وهميّة حفاظاً على أناه ومصلحته.
أمّا شبّاك (قابل للطّعن) فتركنا في حالة حيرة فهل تعود رهف وهي في أوّل حملها إلى زوجها المملوء بالعقد والذي يضربها في أي مكان عندما يفقد أعصابه، أم تقرر العيش مع أهلها بعيداً عن حياة الذل هذه؟
وأكثر ال
شبابيك التي لفتتني شبّاك (مرض نفسي) الذي توقّف عند مشكلة حقيقية وكبيرة في مجتمعنا فالبشر اعتادوا تسمية من يعاني أزمة نفسية بالمجنون، ليس هذا فحسب بل ينبذونه ويشعرونه بأنّه غير مرغوب فيه، فعندما كان عماد الرجل المتفهّم لقسوة الحادث الذي تعرّضت له زوجته -والذي على أثره فقدت رحمها وجنينها- وقد عمل جاهداً لإخراجها من الأزمة، كان المجتمع يرميها بنباله وينعتها بالمجنونة، فلم يتفهّم أحد حبّها للأطفال الذين حُرمت منهم، وظلّت لفظة مجنونة تزيد الأمور سوءاً. وقد لفت انتباهي قول عماد إنّها أصيبت بالتعب النفسي بعد الحادث لأنّها حسّاسة. وهذا ما عاينته في المجتمع، فمرهفو الحس هم أكثر عرضة للتعب النفسي الذي يسمّيه المجتمع (جنون).
أمّا (اللّحاف) فقد كشفت عماد على حقيقته فهو لم يصدّق زوجته بأنّ الخاطف لم يمسّها لمّا أتت ليلاً يستر جسدها لحافاً، لكنّه استعاد ثقته بها لمّا كُشف ما في داخل اللحاف من مال ولم يكن همّه كرامتها ورغبتها في تقديم شكوى فخيّرها بين المال وتقديم الشكوى.
وفي (توب العيرة) خروجاً عن الواقع فلو فرضنا أنّ الشرطة لم تأت ومرّت الكذبة بسلام أفلن يكون ثمّة زيارة أخرى أو ما شابه، برأيي هي غير مقنعة. مثلها مثل شباك (لتسكنوا إليها) الذي بدأ بداية خاطئة، فالقانون يقول لا يجوز إخراج المستأجر إلّا ببلاغ من المحكمة فكيف يُخرج رهف وعماد؟ أمر آخر ممنوع إخراج الأغراض الخاصة بالمستأجر إلاّ إذا تقدّم المؤجّر إلى المحكمة بما يسمّى أعذار.
أمّا حلقة (البطن بستان) فمشكلة الذكر والأنثى لم تتغيّر منذ مئة عام، فالمطلوب من المرأة إنجاب البنات حتّى التّعب أو الوصول إلى الذكر، ولا أنفي تطوّر الوعي لدى عدد لا بأس به من النّاس فصاروا يقنعنون بعدد معيّن من الأولاد مهما كان جنسهم.
ونقف في (حكم القوي) عند سلطوية الأب أمام انعدام شخصيّة الأخوين. ففي هذه القصة من الخنوع والسكوت ما يثير في النفس الرغبة في الثورة.
أمّا في (مسمار جحا) فقد أعجبني عماد فيما فعل أمام سطحيّة زوجته وتسلّطها، فامتصاصه لها لا يعني انعدام رجولته كما فهمتها، ولعلّ رؤيته طليقته فتحت أمامه باب المقارنة بين الاثنين فصار ما صار.
ولعلّ أجمل ال
شبابيك في رأيي (وجهة بصر) فأنا لم أعرف مع من أقف مع عماد الذي اختلفت رؤيته للحياة والمحيط بعدما أبصر وصار يريد أن يكوّن عالمه بنفسه، أم مع رهف التي كانت له الزوجة والأم فأفنت عمرها في الاهتمام بتفاصيله؟
ويأتي الشبّاك الأخير ليريحنا من الاحتمال (روميو وجولييت) فتعلّم الأبناء أنّ الخلاف بين الزوجين لا ينفي الحب إنّما هو أمر طبيعي يحصل يُزعج بلحظته ثمّ يُنسى لتكمل الحياة مسيرتها الطبيعية.
وفي النهاية أقول: إنّ
مسلسل شبابيك شرّع درفاته للمشاهد تاركاً له قراءة احتمالات النهاية، وليس القصد إيهام المتلقّي إنّما تقديم عمل فنّي غايته المتعة وطرح المشكلة من دون تقديم الحل من خلال حلقات متنوعة أجد في اختلاف كتّابها ما أغناها، فقد تركت هذه الحلقات بصمات في أنفسنا لا تنسى.