أعيدوا إليّ ذاكرتي

السبت 28 سبتمبر 2019 - 14:57 بتوقيت غرينتش
أعيدوا إليّ ذاكرتي

تخبرني بذكريات كثيرة، ومن طريقة سردها أشعر وكأني عايشت جميع الأحداث التي تقصها عليّ.

طعام والدتها الشهي كان محور كلامها، ربما وعكتها الصحية، وشعورها بالجوع كان السبب، أتأملها، وأمضي دقائق في النظر إلى شعرها الذي غزا الشيب معظمه، مثلما غزا النسيان ذاكرتي، فكيف يمكن لجدتي التي اقتربت من الثمانين أن تذكر جميع تفاصيل حياتها، وأبقى عاجزة عن استذكار تفصيل قريب عشته؟

 

أعود لمنزلي، أبحث في أوراقي و "كراكيبي" القديمة كما تسميها أمي، عبثاً أحاول تنشيط الذاكرة، عثرت على ورقة من صديقة قديمة ولولا أنها كتبت اسمها، لما عرفت ممّن.

 

أمضيت ساعة كاملة دون جدوى في معرفة سبب الرسالة، أنا التي لم أستطع أن أستحضر ذكريات مر عليها سنة، كيف لي أن أعرف سبب رسالة مضى عليها عشر سنين.

 

طفولة غائبة، فلا تفاصيل أذكرها ولا حتى أسماء رفاق لي، أيام دراستي تمر ببالي وكأنها ثواني، العشق الأول الذي لا ينسى عند الكثيرين، لا أذكر تفصل له.

 

أترك أوراقي مبعثرة، فعلي الذهاب لرؤية خالي الذي لطالما أحببت حديثه، يعجبني كيف يتغزل بدمشق المدينة التي أعشق، وكيف يقص عليّ ذكريات حبه الأول وأيام ألتحاقه بالجيش، وأول يوم له بالجامعة.

 

كالعادة بدأ حديث ذكرياته، لكن الألم كان يعصرني من الداخل، كيف دُفنت ذكرياتي أين تفاصيل حياتي.

 

أنهيت زيارتي له وفي طريق عودتي تصفحت "الفيسبوك"، لأشاهد منشور لصديقة لي تعاني نفس الألم، ولكن جرأتها كانت أكبر في طرح الموضوع، تفاجأت بالتعليقات فهناك الكثير ممن هجرته ذاكرة التفاصيل.

 

ربما تفاصيل الحرب اليومية، من خوف وقذائف وتفجيرات وتهجير هي السبب، وربما نحن مرضى ولا ندري.

 

كنت أظن أن خالي يذكر تفاصيله بسبب ثقافته العالية وقراءته لكتب كثيرة، لكن لا، فجدتي أكملت الابتدائية فقط وتزوجت.

 

كيف تذكر أول يوم لها في مدرستها الابتدائية، وتفاصيل زواجها، وتقص عليّ كيف كبر أولادها وجميع الصعوبات التي واجهتها في ذلك، وأنا التي لا ذاكرة لي!!

 

فرح سرحان

جميع الحقوق محفوظة لقناة العالم سورية 2019