وينطبق ذلك على فترة الحكم الإسلامي، حيث شكلت مدينة دمشق مركزاً هاماً في تاريخ الدعوة الإسلامية منذ انطلاقتها وحتى يومنا هذا، فكانت مركزاً لطلاب العلم وكثرت فيها المدارس الإسلامية التي تخرج منها العديد من أعلام الفكر العربي والإسلامي.
و تعتبر المدارس الإسلامية من الصروح الفريدة التي أغنت التراث الإسلامي، وكانت أحد مراكز الإشعاع في المشرق لكل من يطلب العلم، ويسعى إلى تحصيل الفقه وامتلاك المعرفة، فكان المسجد هو المورد الأغنى للعلم والباب الأول للعلماء الذين تخرجوا منه، فأغنوا التراث بفيض فكرهم وغزارة علومهم، فدرسوا وألفوا وأفتوا، وأهم هؤلاء (أبي حامد الغزالي) و (شمس الدين بن القيم الجوزية) و (الإمام النووي) وغيرهم.
وأبدع الإمام (الغزالي) في التدريس فكان من أهم وألمع المفكرين في العالم الإسلامي، وهو لم يتجاوز بعد الرابعة والثلاثين، وكان يحضر عنده في المدرسة النظامية كبار العلماء، وحضر ذات مرة (ابن كثير) و (أبو الخطاب) و (ابن عقيل)، فتعجبوا من فصاحته وإطلاعه، وكان (ابن الجوزية) أيضاً من بين من تعلموا عنده، وقد أورد كل هؤلاء كلام ل (الغزالي) في مؤلفاتهم ومصنفاتهم.
زيادة أعداد المسلمين نتيجة انتشار الدعوة، واتساع رقعة الدولة الإسلامية، وكذلك تعدد فروع العلم والمعرفة، وظهور التخصص في الدراسة، كل هذا جعل من المسجد يضيق عن القيام بالمهام المنوطة به، فبعد أن كان يقوم بتدريس العلوم الدينية والدنيوية، بدأ التفكير من قبل السلاطين والأمراء، بإنشاء المباني المستقلة عن المسجد، ثم كانت تلك الصروح الإسلامية ذات الصفات المعمارية الفريدة، والمتناسبة مع الهدف الذي شيدت لتحقيقه.
وفي مطلع القرن الخامس الهجري، قام الوزير السلجوقي (نظام الملك) بتشييد العديد من المدارس في مدن المشرق الإسلامي مثل دمشق، بغداد، البصرة، أصفهان، نيسابور، الموصل، ويعتبر صاحب الفضل الأول في ذلك.
وصل عدد المدارس فيما بعد إلى ما يقارب المائة مدرسة في دمشق، وذلك في مطلع القرن العاشر، منها على سبيل المثال : (القيمرية – النجيبية – الغزالية – التدمرية – العادلية الصدرانية – الظاهرية – الشامية – السلطانية – الفردوس – العمرية – الشيخية – الجقمقية … ) وغيرها.
ولم تقتصر هذه المدارس في تلك الفترة على الوظيفة التعليمية فحسب، وإنما كانت أيضاً دوراً يولى فيها قاضي القضاة للنظر في بعض المسائل الفقهية عند اختلاف قضاة المذاهب أو غيرها من المسائل الأخرى.
واختلفت أشكال المدارس الإسلامية السورية من الناحية المعمارية، إلا أنها كانت تتقارب في نظام تخطيطها، وكانت تتألف من قاعات للتدريس وحجرات للمعلمين والطلبة، ومصلى وميضآت وبرك للماء، وأكثرها احتوى على مدفن مقبب لمنشئ المدرسة، كما اشتمل على أيوناً للتدريس صيفاً.
المصدر: مواقع