عادت قضية الوجود العسكري الأمريكي في العراق إلى الواجهة مجدداً، مع تزايد الرفض الشعبي، وتحركات برلمانية عراقية لتشريع قانون يلزم تلك القوات بمغادرة الأراضي العراقية فوراً، وخاصة في ظل المماطلة الأمريكية بالانسحاب، رغم وجود “اتفاق أمني” بين البلدين تمّ توقيعه نهاية ولاية الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، والذي نصّ على أنه يتعيّن على جميع القوات الأمريكية مغادرة العراق في عام 2011.
التواجد الأمريكي في
العراق مرفوض شعبياً ورسمياً، وهو ما أكده مجلس النواب العراقي، من خلال لجنة الأمن والدفاع فيه، محذّراً من أن تجوال القوات الأمريكية في بغداد وبعض المدن العراقية يشكّل انتهاكاً لسيادة العراق، ويكشف حقيقة وجودها القتالي وليس الاستشاري والتدريبي الذي تروّج له الإدارة الأمريكية.
وقال عضو اللجنة عباس السيد سروط: “إن الاتفاقية الاستراتيجية المبرمة بين بغداد وواشنطن لم تنصّ على تجوّل القوات الأميركية داخل المدن والأحياء السكنية بشكل قتالي”، مبيناً أنها نصّت على تدريب القوات الأمنية وتجهيزها بالمعدات العسكرية وتواجد المستشارين داخل المعسكرات العراقية فقط، وأشار إلى أن تجول القوات الأميركية في الأحياء السكنية يحمل أهدافاً مريبة بعيدة عن الاضطلاع بتدريب القوات الأمنية العراقية كما يشاع، موضحاً أن تلك التحركات محاولة لاستفزاز المواطنين والقوات الأمنية العراقية.
من جهته طالب عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية العراقية بدر الزيادي مجلس النواب بعقد جلسة استثنائية لمناقشة مشروع قانون إنهاء الوجود العسكري الأميركي والتركي في العراق، لافتاً إلى أن الخروقات العسكرية الأميركية والتركية انتهاك صريح لسيادة
العراق ومخالفة واضحة لكل المواثيق الدولية، وأضاف: إن إخراج هذه القوات من الأراضي العراقية بات حتمية لا مناص منها للحفاظ على سيادة البلاد.
وفي سياق متصل حذّر القيادي في حركة أهل الحق العراقية جواد الطليباوي من تحركات أميركية مستفزة ضد الحشد الشعبي وفصائل المقاومة، مؤكداً أن القوات الأميركية ستكون في مرمى النيران اذا تعرّض الحشد لأي اعتداء إسرائيلي، وأكد أن القوات الأميركية ستكون في مرمى نيران المقاومة، والرد سيكون موجعاً إذا تعرّض الحشد الشعبي أو فصائل المقاومة لأي اعتداء إسرائيلي أو أميركي، مبيناً أن فصائل المقاومة ستتخذ ضد القوات الأميركية موقفاً مشابهاً لموقفها ضد إرهابيي تنظيم “داعش”.
وكانت قوات أميركية قد تجولت بآلياتها في وقت سابق في حيي الشهداء وجبيل جنوب قضاء الفلوجة بمحافظة الأنبار ومناطق عدة في محافظة كركوك، في ظهور جديد لها، بالتزامن مع الحديث عن الانتشار الأميركي الواسع في العراق، فيما تجوّلت قوة أخرى في عدد من مناطق العاصمة بغداد.
كما بات الرفض الشعبي العراقي للوجود الأمريكي على أشده، حيث شهدت شوارع العاصمة بغداد نصب لوحات ولافتات تحوي عبارات “الموت لأميركا”، وتندد بالتدخل الأمريكي في شؤون العراق، والممارسات التي تقوم بها واشنطن ضد الشعب العراقي، فيما اعتبر حزب المجلس الأعلى الإسلامي في
العراق التواجد الأمريكي خطراً على البلاد، مؤكداً أن “إصرارهم على البقاء يكشف عن وجود مخطط لاستهداف الأمن الداخلي العراقي”، وقال عضو الهيئة العامة للمجلس، أحمد عبد الجبار، في بيان صحفي: إن “الدستور العراقي لا يسمح بالتواجد الأجنبي، ولا يسمح أن يكون
العراق قاعدة أو ممراً للاعتداء والإساءة إلى دول الجوار، أو إقحامه في أزمات دولية جديدة”، وأكد “بعد طي صفحة داعش، نتطلّع إلى بناء البلد والنهوض بكل الجوانب الاقتصادية والعمرانية والخدمية والعلمية، لضمان المستقبل”.
ميدانياً، نفَذت قوات الحشد الشعبي عملية استباقية ضد “داعش” بعد تلقيها معلومات عن الدفع بحشود لعناصر التنظيم عند الحدود العراقية السورية، وقال إعلام الحشد في بيان: إن العملية التي نفذت بالتعاون مع قيادة حرس الحدود جرت بناء على معلومات استخبارية دقيقة عن تحشيد عناصر “داعش” باتجاه قاطع عكاشات والقرى المجاورة مستغلين بذلك السيول الجارفة والطقس الجوي شديد البرودة.
إلى ذلك أعلنت السلطات العراقية عن اعتقال تسعة إرهابيين ينتمون لتنظيم “داعش” بمحافظة السليمانية لقيامهم بعمليات قتل وتهجير ضد المدنيين وعناصر الأجهزة الأمنية، وقال مركز الإعلام الأمني في بيان: “إن قوة من جهاز الأمن الوطني في محافظة كركوك وبناءً على معلومات استخبارية ومراقبة حثيثة تمكنت من تحديد مكان وجود مجموعة إرهابية تضم تسعة من عناصر داعش صادرة بحقهم مذكرات قضائية بقضايا إرهابية متخفين في محافظة السليمانية”، وأضاف: “جرى التنسيق مع السلطات الأمنية في السليمانية التي بدورها ألقت القبض عليهم وسلمتهم إلى الجهات المختصة في كركوك لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة”.
كما قضت القوات الجوية العراقية على ستة من متزعمي “داعش” خلال غارة في صحراء الرطبة، وقال مصدر في الاستخبارات العسكرية العراقية: “إن طائرات مقاتلة عراقية وبناء على معلومات استخباراتية استهدفت تحركات للإرهابيين بعربات رباعية الدفع في صحراء الرطبة، وقامت بتدميرها، ما أدى إلى مقتل المتزعمين الستة”، وأشار إلى أن الإرهابيين الذين تمّت تصفيتهم مرتبطون بمتزعم التنظيم المدعو أبو بكر البغدادي، وأشرفوا على تفجير عشرات السيارات المفخخة في محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار.