لاحظت نتائج عدة دراسات طبية حديثة أن لتناول
مشتقات الألبان التي يتم إنتاجها عبر تخمير الحليب، ميزة تفوق تناول
الحليب نفسه أو
مشتقات الألبان غير المتخمرة، لجهة تقليل الإصابات بأمراض القلب والأوعية الدموية.
كما أفادت نتائج دراسة طبية حديثة بأن نوعية الدهون المشبعة (Saturated Fats) الموجودة في
مشتقات الألبان (Dairy Products) أقل ضرراً على صحة القلب بالمقارنة مع نوعية الدهون المشبعة الموجودة في الشحوم واللحوم الحيوانية.
يعد
الحليب مادة غذائية خام، يتم استثمارها الصحي الغذائي في إنتاج عدد من
مشتقات الألبان مختلفة القوام والطعم واللون والمكونات. مثل لبن الزبادي، واللبن الرائب، والعيران، والأجبان الصفراء والبيضاء، واللبنة، والقشدة، والزبدة، والسمن الحيواني، و
الحليب المجفف، و
الحليب المبخر المركز، ومصل اللبن، وغيرها.
و
الحليب بالأصل مستحلب مائي يحتوي على كريات دهنية وسكريات ذائبة وبروتينات، وذلك ضمن درجة حموضة محددة. وتتعامل المعالجات الإنتاجية بالعموم مع مكونات
الحليب الرئيسية، وهي خمس مكونات: الماء ودرجة الحموضة والدهون والبروتينات والسكريات. وتظل المكونات الأخرى في
الحليب مرتبطة بالمكونات الرئيسية، مثل الفيتامينات والمعادن والأملاح والإنزيمات والأجسام المضادة.
وثمة أربعة أنواع رئيسية من المعالجات الإنتاجية، أولها ما له علاقة بتهيئة
الحليب للتناول المباشر، وثانيها له علاقة بخفض كمية الدسم فيه، وثالثها إعداد أنواع
مشتقات الألبان المتخمّرة، ورابعها إنتاج أنواع الجبن منه.
وتهيئة
الحليب للتناول وخفض الدهون فيه تتم من خلال كل من «البسترة» والتجانس والتعزيز. وتهدف البسترة إلى تنقية
الحليب من الميكروبات الدقيقة الضارة لإطالة مدة صلاحية الحليب. ولأن دهون
الحليب تكون بهيئة كريات دهنية صغيرة ممتزجة بسائل الحليب، ولأنها عُرضة لأن تطفو بهيئة طبقة القشدة المنفصلة عن الحليب، فإنه يتم تصغير حجم كريات الدهون، وتكسرها ومزجها، مع بقية مكونات الحليب، وهي ما تُسمى عملية التجانس. وفي عملية تعزيز
الحليب يُضاف فيتامين «دي» لتسهيل امتصاص الكالسيوم، كما تُضاف مجموعة أخرى من الفيتامينات والمعادن. أما إنتاج الأجبان فيتعامل بالدرجة الرئيسية مع بروتينات الحليب. وعمليات التخمير تعتمد على تفاعلات أنواع من البكتيريا مع سكر لاكتوز
الحليب لإنتاج حمض اللاكتيك، كما سيأتي.
الأشخاص اللذين يتناولون الدهون المشبعة ذات السلسلة القصيرة في تركيبها الكيميائي (Shorter - Chain Saturated Fats)، أي التي فيها أقل من 14 ذرّة من الكربون كما في دهون مشتقات الألبان، تنخفض لديهم مخاطر الإصابة بنوبات الجلطات القلبية. وكذلك الحال لدى الذين يُقللون من تناولهم نوعية الدهون المشبعة ذات السلسلة الطويلة في تركيبها الكيميائي، أي التي فيها أكثر من 16 ذرّة كربون كما في دهون اللحوم والشحوم الحيوانية.
وقال الباحثون إن عدداً من الدراسات السابقة قد لاحظ أن الأنواع مختلفة المصدر من الدهون الحيوانية المشبعة لها تأثيرات مختلفة على مدى اضطرابات نسبة الكولسترول في الدم. وفي هذا الشأن، فإن تناول الدهون المشبعة في
مشتقات الألبان بالذات، لا في
الحليب نفسه، له تأثيرات إيجابية تختلف عن التأثيرات السلبية لتناول الدهون المشبعة في اللحوم والشحوم الحيوانية.
وأفادت نتائج دراسة المراجعة العلمية للباحثين من فنلندا بأن ثمة فارقاً بين تأثيرات تناول
مشتقات الألبان المتخمرة (Fermented Dairy Products) عن غير المتخمرة (Non - Fermented Dairy Products) في احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب.
ولاحظوا في نتائجهم أن الأشخاص الأعلى تناولاً ل
مشتقات الألبان المتخمرة، مقارنةً بالأدنى في تناولها، تقلّ لديهم احتمالات الإصابة بأمراض القلب بنسبة تُقارب 30?، وأن الأشخاص الأعلى تناولاً ل
مشتقات الألبان غير المتخمرة ترتفع لديهم تلك الاحتمالات بنسبة أعلى. وأن تناول نوعية
مشتقات الألبان المتخمرة قليلة الدسم يُقلل من احتمالات الإصابة بأمراض القلب. وقال الباحثون: «هذه النتائج تشير إلى أن منتجات الألبان المتخمرة وغير المتخمرة يمكن أن يكون لها علاقات مختلفة بخطر أمراض الشرايين التاجية.
- عند صناعة الأجبان باختلاف أنواعها وألوانها، يكون التعامل الإنتاجي الأهم هو مع بروتينات
الحليب لتحويلها من هيئة سائلة إلى هيئة صلبة. وبروتينات
الحليب تشكل نسبة 4? منه تقريباً. و80% من هذه البروتينات موجودة في تشكيل كريات الكازيين (Casein). والكازيين قابل للانفصال عن مستحلب
الحليب عند إضافة حامض إليه، أو إضافة أنواع من الإنزيمات كتلك الموجودة في الأنفحة (Rennet)، أو إضافة أنواع من الأملاح، أو بعملية الطرد المركزي، وبالتالي تنتج لدينا «خثارة
الحليب Curd».
وهناك فارق في إنتاج الجبن بطريقة إضافة أحد الأحماض عن طريقة إضافة إنزيمات الأنفحة، ذلك أن إضافة الحامض يتسبب بتكوين خثرة جبن خالية من سكر لاكتوز الحليب. وبالتالي فإن الأشخاص الذين لديهم حالة «عدم تقبل اللاكتوز Lactose Intolerance»، لا يسبب لهم تناول هذا الجبن أي أعراض جانبية للاكتوز، كالغازات أو ألم البطن أو انتفاخ البطن أو الإسهال.
بينما في حالة إعداد الجبن باستخدام إنزيمات الأنفحة فإن سكر اللاكتوز يبقى ضمن مكونات الجبن، وبالتالي قد يتسبب بأعراض مزعجة حال تناوله من قبل المصابين بحالة «عدم تقبل الحليب». ويجدر بالملاحظة أن حالة «عدم تقبل الحليب» التي تحدث بسبب سكر الحليب، تختلف عن حالة «حساسية الحليب» التي هي بسبب الحساسية من بروتينات الحليب.
وإضافة إلى البروتينات في الكازيين، هناك كمية قليلة من البروتينات موجودة في سائل «مصل الحليب» أو ما يُسمى «شرش Whey» الحليب. ومصل
الحليب هو ما نلاحظه في السائل الأصفر المنفصل عن اللبن في عبوة اللبن الزبادي. ولذا هو سائل مفيد صحياً لأنه يحتوي على معادن وفيتامينات وبروتينات وأملاح وإنزيمات.
وبالنسبة إلى أنواع الأجبان، هناك أجبان بيضاء غير مطبوخة، كجبن «الحلوم» والعكاوي والفيتا والقريشة، وهناك أجبان صفراء مطبوخة تُضاف إليها عناصر أخرى تكسبها لوناً أصفر بدرجات متفاوتة، كالتشيدر وأدم والرومي. كما تتوفر أجبان تضاف إليها أنواع من التوابل كالفلفل الأسود أو الكمون، أو يضاف إليها بعض المنتجات النباتية كالثوم أو الفلفل الحار أو الروزماري وغيرها لتعطيها نكهة مختلفة، أو يتم تدخينها، أو تضاف إليها أنواع من البكتيريا لتكوين فقاعات فراغية، أو تضاف إليها أنواع من الفطريات لتكسبها اللون الأزرق.
أما الألبان المتخمرة هي مجموعة
مشتقات الألبان التي يتم فيها التعامل مع سكر لاكتوز
الحليب لتكوين حمض اللاكتيك. وفي الأنواع الشائعة منها، تتم إضافة أنواع معينة من البكتيريا فقط، كي تتفاعل مع سكر لاكتوز
الحليب لتكوين حمض اللاكتيك فقط، كما في لبن الزبادي أو اللبن الرائب. وفي أنواع قليلة من الألبان المتخمرة، تتم إضافة كل من البكتيريا والخميرة (Yeast) كي يستخدما سكر اللاكتوز لتكوين كل من حمض اللاكتيك والكحول الإيثيلي، كما في كفير (Kefir) حليب الماعز وكوميس (Koumiss) حليب الفَرس.
وإضافة إلى تحسين طعمه عند التناول، تقدم عملية التخمير للحليب (Fermentation Process) زيادة في مدة صلاحيته، عبر زيادة حموضته لمنع نمو الميكروبات الضارة فيه، وتقدم أيضاً تسهيل عملية هضمه عبر تفتيت السكريات فيه وتهيئة البروتينات للهضم بشكل أسرع.
ورغم الاختلافات الواسعة في العمليات الإنتاجية الحديثة والتقليدية ل
مشتقات الألبان المتخمرة الشائعة بمناطق واسعة من العالم، إلاّ أن غالبيتها تعتمد على إضافة «بادئ» من أحد أنواع البكتيريا غير الضارة، إلى
الحليب ضمن ظروف ملائمة، تسمح بحصول عدد من التفاعلات التي تنتج لنا في آخر الأمر أنواعاً من
مشتقات الألبان المتخمرة الخالية من الكحول.
وفي حال إنتاج اللبن الزبادي يتم أولاً تسخين الحليب، ثم يُبرد إلى درجة دافئة، ليُضاف إليه «بادئ» الزبادي المكون من بكتيريا منتجة للحموضة. وبعد التقليب والمزج يتم حضن المزيج في درجة حرارة دافئة لمدة ما بين 12 و24 ساعة. وتُمكن إضافة أنواع أخرى من البكتيريا لتعطي نكهة أو قواماً مختلفاً للبن، كما تُمكن إضافة الفواكه والمكسرات إليه في مراحل إنتاجية مختلفة.
وفي حال إنتاج اللبن الرائب (Buttermilk) بأنواعه المختلفة، تتم أولاً إزالة القشدة أو الدهون عن
الحليب بطرق مختلفة، ثم تتم إضافة البكتيريا، ويُوضع المزيج في الظروف الملائمة لتكوين سائل اللبن الرائب. ولذا يُفترض أن يحتوي اللبن الرائب على كمية أقل من الدهون مقارنةً ب
الحليب أو بلبن الزبادي المنتج من
الحليب كامل الدسم.
ومن هذا اللبن الرائب أو اللبن الزبادي، يتم إنتاج اللبنة (Strained Yogurt) أو لبن الزبادي اليوناني، عبر استخدام أنواع مختلفة من الطرق لإزالة أكبر قدر من الماء منهما، الذي هو في الأصل ماء «مصل الحليب».