لم يشكل الترحيب الايراني بزيارة الرئيس السوري من خلال جملة الابتسامات والعناق الحار والاحتضان التي بثتها الكاميرات، مشهداً استثنائياً أو صورة سياسية مستغربة.
فما يربط بين الجانبين أعمق بكثير من مجرد صداقة أو بلدين شقيقين، فالحديث عن دمشق وطهران والعلاقة بينهما هو حديث عن متانة واستراتيجية التحالف الحاصل بينهما، فماأفرزته الحرب في
سورية يدلل قطعياً على وحدة الرؤى السياسية والقراءة العميقة المشتركة للأبعاد المتقدمة لما أريد ل
سورية على مدى ثمانية سنوات، وتداعيات كرة النار التي لم تكن ستقف مطلقاً عند حدود الجغرافية السورية، فيما لو سقطت الدولة السورية، الزيارة تأت ليس فقط لتصدير رسائل سياسية للخصوم، بل للبحث المطول في عنوان المرحلة القادمة وتحدياتها وعقباتها ومسارات الرؤيا والحلول.
للبحث في أبعاد الزيارة لا بد لنا الانطلاق من ثلاثة أحداث مهمة أرخت بظلالها على الساحة السياسية خلال الفترة القصيرة الماضية :
الأول المتعلق بمصير جبهة ادلب وشكل ومضمون التصرف في هذه الحغرافية، ولاسيما بعد جملة من الاستدارات الأميركية والتركية، لجهة إعلان ترامب عن إبقاء 200 جندي أميركي في الشمال السوري بعد الاعلان عن الانسحاب الكامل من سورية، وعودة اردوغان للجري في الملعب الأميركي بعد تفاهمات سوتشي الأخيرة، وهو مارأى فيه مراقبون ومحللون بأنه تمهيد تركي ربما لنسف اتفاق سوتشي، والتملص من الوعود التركية في الشمال السوري، من هنا نقرأ ونفهم حضور الجنرال قاسم سليماني فقط خلال لقاء روحاني بالأسد.
الثاني متعلق بتكالب الدول وخصوم طهران لرسم شكل المواجهة مع
ايران من خلال مدلولات ماسمي بحلف وارسو، وتالياً يأت اللقاء للرد على التصعيد السياسي ضد طهران وتعزيز أكثر لمتانة محور دمشق طهران حزب الله.
الثالث حديث أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني لوكالة تسنيم الإيرانية السبت الماضي، لجهة ان إيران حققت 90 بالمئة من أهدافها في سورية، وهنا بيت القصيد والهدف غير المعلن ربما من الزيارة.
فالمتابع لتلافيف وحيثيات الحرب ال
سورية يتلمس بوضوح ان العقبة الرئيسة التي كان يصطدم بها دائماً الحل السياسي في سورية، هي مسألة التواجد الايراني في سورية، ومايشكله من تنامي مستمر للقلق الاسرائيلي ولاسيما في الجنوب السوري، وفي كل مرة كانت تفوح فيه روائح التوافقات الدولية والاقليمية، كانت تهرع اسرائيل لشن غارات على
سورية في محاولة لخلط الأوراق وتخريب أية توافقات، فهل حان موعد الانسحاب الإيراني من
سورية ? وهل ستطلب الحكومة ال
سورية ذلك في المرحلة المقبلة تمهيداً لتوجيه الرسائل للأميركي الذي يستطيع وحده في ظل هكذا تمهيد إزالة أي عوائق في طريق الحل السياسي السوري سواء على جبهة الكرد أو حتى تركيا.
لِمَ لا؟ لطالما تحققت الأهداف وهزم داعش ،والأهم إن كان ذلك سينهي العقوبات على طهران، وسيكون مولداً لتواففات طال انتظارها.
مايميز الزيارة أن جاءت وفق مسارين سياسي وعسكري ، لسان حال الحلفاء يقول فيها : في كلا الجبهتين قادرون.
الدكتور محمد بكر