الساعة العاشرة وعشرون دقيقة، من مساء السبت في الثالث من حزيران/يونيو 1989،توقف قلب مفجّر ثورة المستضعفين في القرن العشرين، الذي أحيا قلوب الملايين، لتتفجر معه حناجر الملايين، مشاعر حزنٍ على رحيل إمام أعاد العزّة للشعب الايراني والأمة، وزرع بحركته وفكره روح المقاومة في فلسطين وشعوب الأمة الاسلامية.
عشر سنوات من الصمود بوجه مؤامرت الأعداء ومشاريع الفتن، بينها ثمانية أعوام من الحرب التي فرضها نظام صدّام حسين، على ايران بدعم غربي، رحل مؤسس الجمهورية الاسلامية، عن عمر ناهز السبعة وثمانين عاماًً قضاها في الجهاد من أجل تحقيق رفعة شعبه وأمته، تاركاً وراءه أرثاً غنياً بالفكر والعقيدة، والسياسية والمقاومة، ودولة مؤسسات إسلامية، تحضى بشرعية شعبية، قلّ نظيرها في التاريخ الحديث، بعد مسيرة طويلة من الجهاد والمقاومة.
مسيرة توّجها الامام روح الله الموسوي الخميني، قدّس سرّه، بعودته الى ايران صبيحة الأول من شباط 1979، بعد 14 عاماً في المنفى، متحدياً حكومة الشاه، التي أغلقت مطارات البلاد بوجه الرحلات الخارجية، الا أنّ إرادة الإمام التي لاقته فيها الجماهير بالعودة، كانت الاقوى، حيث حلّ الإمام بين محبيه، قادماً من منفاه الباريسي، وسط استقبال جماهيري، غير مسبوق، أذهل العالم، ليبدأ معه فجر جديد لشعب ذاق الظلم على أيدي حكام رهنوا مقدرات الوطن، لأعداء الأمة من اميركا والكيان الاسرائيلي.
في 16/1/1979، عيّن الإمام الخميني مجلس شورى الثورة، و تحت شعار “لا شرقية ولا وغربية، انما جمهورية اسلامية”، أعلن الشعب الايراني بعد شهرين على انتصار ثورته، عن تأييده بنسبة 98.2 بالمئة لإقامة نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، في واحدة من أكثر الانتخابات حرية في تاريخها.
رحلة النفي التي استمرت أربعة عشر عاماً، بدأت في تشرين الثاني عام 1964، بعد اعتقال سماحة الإمام من قوات الجيش، حيث تمّ نفيه الى مدينة أنقرة في تركيا، التي استغرقت فيها إقامة الإمام أحد عشر شهراً، قبل أنّ يُنفى سماحة الإمام الى العراق، ليقيم في مدينة النجف الأشرف، حيث كان يتابع بدقة الأحداث السياسية التي تشهدها إيران والعالم الإسلامي.
ونتيجة رفض الامام الخميني الانصياع للطلبات العراقية بوقف نشاطه السياسي، تمّ نفيه في
للمرة الثالثة، فغادر النجف قاصداً الكويت، التي رفضت استقباله، فقرر الهجرة إلى باريس، فوصلها في 6/10/1978 ، حيث استقر في ضاحية “نوفل لوشاتر”، لمدة اربعة أشهر ، جعل منها محط أنظار العالم، وأهم مركز أخبار في العالم. وكان للقاء الإمام المحاضرات المتعددة واللقاءات الكثيرة مع الوفود، التي انهالت من أنحاء العالم، الدور المهم في توضيح آرائه للعالم حول الحكومة الإسلامية، وأهداف ثورته.
رحلة المنفى للإمام الخميني، سبقها الإمام بمسيرة جهادية، انطلقت منذ ريعان شبابه، حيث وقف الإمام بوجه سياسات الشاه منذ العام 1962، التي أرادت أن تطلق حرية الشركات الغربية في استثمارها واستغلالها ثروات الشعب بشكل مباشر، مروراً بانتفاضة 5 حزيران 1963 ـ التي تعتبر إحدى المنعطفات الهامّة في تاريخ الثورة الإسلامية في إيران، والتي تخللها اعتقال الإمام الراحل، بعد هجوم عناصر السافاك على منزله.
ولد السيد روح الله الموسوي الخميني، في 24 أيلول 1902 ميلادي، في مدينة خمين وسط إيران، وكان والده السيد مصطفى الموسوي يعد من علماء عصره، والذي تعرّض لمحاولة اغتيال، على اثر مناهضته لسياسات الشاه.
وبدأ الإمام روح الله الخميني، دراسته العلوم الدينية، في الخامسة عشر من عمره، وتلقى علومه في مدينة قمّ حيث تلقى علومه مع آية الله الحائري، وسار الإمام الراحل على خطى والده في مقارعة الظلم وتحفيز الناس على المطالبة بحقوقهم من السلطات الحاكمة، وكان الإمام ينمي روح التضحية والشجاعة والاستقامة في صفوف تلاميذه، وهو ما أغاظ السلطة الحاكمة، التي أمرت بمنع محاضرات ودروس الإمام في الأخلاق لمرات عدة، بيد أن الإمام الراحل الذي كان يدرك الظروف وحساسيتها واستمر في طريقه بدقة وهدوء بعيداً عن الانظار حتى انتهى عهد رضا خان.
وترك الإمام تراث قيماً من المؤلفات منها مجموعة مؤلفة من 22 جزءاً باسم “صحيفة الإمام الخميني” كذلك جمعت أشعار الإمام في “ديوان الإمام” كما جمعت دروس الإمام في الحوزة العلمية تحت عنوان “تقريرات الإمام الخميني”. وغير ذلك من الكتب القيمة في المجالات الفلسفية والسياسية والأخلاقية والأصولية والعرفانية والاجتماعية.
المصدر: يو نيوز