«من حكايا العشق» كتاب صدر حديثاً عن اتحاد
الكتاب العرب للكاتب حسن إبراهيم الناصر ضمن سلسلة القصة الثالثة الذي يحتوي على قصص وروايات تحكي عن حالة العشق والسمو والوفاء والارتباط بالأرض والمكان، كما أن للحب عنده مكاناً كبيراً فهو عاشق مولع بحبيبته، وهي قصص غير منفصلة عن الواقع، وتلامسه بشكل كبير وممتلئة بصور بليغة ومعبرة، وكثيراً ما استخدم العامية ليكون قريباً منا، وفي الحوار نراه يعيش معاناتنا اليومية، وكل ما حدث على الساحة الدولية وما تعرضنا له من حرب خانقة ممكن أن يحدثنا به على فنجان قهوة بأسلوب مشوق لا يستجدي الملل.
والواضح ارتباطه بالوطن والأرض والأم وبكل قطرة دم سالت على هذه الأرض السورية، ليس ذلك فقط إنما شغفه يحمل إيمانه بهذا البلد وحضارته وعراقته الأزلية فهو يراهن حتماً على اندحار الظلاميين ولا ينكر وجودهم ولكنه يراهن بأنهم سيمرون مثل ما مرّ غيرهم من الغزاة، فنحن من كتب التاريخ أمجادنا لا تخوفنا مجموعات كاذبة.
واستهل
الكتاب بداية بإهداء إلى: «والدي الشهيد: إبراهيم موسى الناصر، وإلى أرواح الشهداء ومواكب الضوء كي لا نضل الطريق إلى رفيقة الحياة، عليا، من وحي أبجدية العشق.. لن ينتهي الزيتون ولن تنتهي حكايانا؟!».
الأدب هو الجمال
وفي تقديم
الكتاب يقول الكاتب: «منذ أمد بعيد، وقولات النقاد الكبار رميات ماجدة، ومنها أن الأدب هو الناس، والأدب هو الجمال، والأدب هو الفرح وقت الفرح، والأدب هو الحزن وقت الحزن، والحق أن قصص هذه المجموعة هي مرآة لهذه القولات والرميات لأنها هي الدم النبيل الذي روى الأرض السورية في وقت المحنة، وهي دمع الأمهات السابل على الوجوه وهن يعطين الجبهات والخنادق مهج الأرواح، وهي الزغردات المتعالية مثل الطيور تحليقاً في وقت الانتصارات، قصص تمشي حيثما يمشي الناس في الدروب الظليلة وتلوب على المعاني مثلما يلوب عليها أهل المعرفة، وتعلي من أناشيد القلوب اللاهجة: موطني موطني.. مثلما تعلي الوقفات الثبت شهداء الحق».
الخروج من الخراب
تحت هذا الاسم يروي لنا الكاتب حكاية لا يستطيع فيها إغفال واقع أليم ومفروض ومرسوم عبر مخططات سياسية كتبت لنا منذ زمن بعيد، وكانت واضحة وصريحة ومنها إحداث حالة من الفوضى والتشرذم والضياع في المجتمعات، ويأتي طرح وإقحام الكاتب للوضع الراهن ضمن حوار دار مع امرأة مستعيناً بصور متعددة ما أضفى متعة كبيرة في الطرح حيث يقول: «كان متأكداً أن الأرض وطن وانتماء، وما نفع المعرفة في زمن الفوضى؟، هل تذكر «رايس» وزيرة خارجية أميركا حين أطلقت من «بيروت»، عاصمة الثقافة العربية «نظرية الفوضى الخلاقة»؟! لم يردّ على أسئلتها، همست في أذنه: لا تترك الباب موارباً، افتحه على اتساع الضوء! الريح المجنونة تهز الأشجار بعنف، تريد إنهاء زمن زراعة القمح والزيتون؟ قال بنزق: أنا متأكد، لا يمكن لريح عابرة اقتلاع أشجار السنديان! ثمة أصوات تتكسر وأقنعة تسقط؟
أي كابوس ثقيل مبهم يعصف بسنوات العمر الباقية؟ في وحشة الليل لا تخاف الوحشة، ما يخيفك هو تكاثر عدد المتوحشين، أُحصي عذاباتي، ما يحدث يرجعنا «للماضي» يا لوحشية الحاضر! في ذاكرتي صور مرعبة، تتراكم مما يحدث أو مما أسمع! الأيام مشغولة بالموت، هناك من يدافعون عن البقاء، وهناك من يمارسون البغاء علناً، يحاولون اختراق نظام الكون؟! قرأ في أوراق «لشاعر عراقي» رائحتها من رائحة خبز التنور، كتب من وحيها «وحق ملح الخبز والطيب والليمون، وحق التين والزيتون وحق الشجرة التي تاهت هنا الجهات كلها.. يمر الموت بيننا وما يمرون.. يمر الموت بيننا أيها المارقون.. لن تمروا؟ هل أنت مثلي؟ مكتوب عليك الحزن» نحن معجونون بالحزن»؟.
وداعات موجعة
حالة العشق والحب وألم الفراق جسدها الكاتب في حكاية «وداعات موجعة»، حيث يروي قصة حب عصفت في عاصمة الياسمين عند الدراسة الجامعية لينتهي بعدها كل شيء ويعود إلى قريته وأشجاره ولكن هيهات أن ينسى القلب حبيبته مهما بلغت فيه الأيام ونبلغ الراحة حتى لو دنونا مكانه، ويقول: «دمشق هذه المدينة المنتشية بالعطر «أنثى مدللة» على ضفتي بردى مع كل شمس تغسل وجهها بالياسمين. أوقعته في حب رهف. ابتسامتها شهقة فجر.. وجهها الشهي مسكون بماء الورد، في عينيها لمعة عشق متوقدة، من ضفتي ثغرها الفاتن يفيض الياسمين بالعطر.. يا ويح أصابعي الملهوفة كيف ألملم عن الشفاه كل هذا الزهر، همست بصوتها المبحوح، بماذا تفكر؟ بأغنية فيروز «يا رايح صوب مشرق.. جاي عا بالي شروقي» أربكته. لم يصدق أنه المقصود بكلامها. تحسس جسده المرتعش، شعر بأن ريقه نشف، دعك عينيه قال: يا لوجهها الطفولي المشبع بحمرة الكرز، يتكوم شعاع الشمس على شعرها المتدلي حتى خصرها الطري، لكأن الزمن توقف.. لحظة وبدأ يتنفس.. إذا لم يكن يحلم. رهف «بنت الياسمين» تختزل في جمالها الأنثوي المفرط، الأحلام والأماني. أنثى أينما اتجهت يطالعك عطرها. مضى زمن وقد تخرجا في الجامعة، وعاد يعمل في أرضه المزروعة بالزيتون والليمون والتبغ والخضرة. يعيشان الحياة بكل تفاصيلها، لم يكن في وارد أن يتركها للزمن تواجه قدراً غير متوقع. في ليلة مظلمة عصفت فيها جنون الريح، بدت أمام المرآة كشجرة نارنج عارية! وراحت تستعيد ذاكرتها، «هكذا بدأت حكايتها مع أحمد هذا الفتى الريفي. في يوم دمشقي ماطر؟! لم تجد من تقص عليه حكايتها، لهذا تجيء البحر كلما أوجعها الشوق، العتمة بدأت تزحف في الاتجاهات كلها. المطر هو الآخر لا يزال يهطل على البحر، ماء على ماء، يا لحيرتي كيف يصبح ماء السماء.. ملحاً؟ وهي غارقة في كتبها وقراءاتها، شعرت ببرودة تستقر في عظامها، تنتظر خلف عتبات محزونة، غاب الفرح عن أيامها تعشق الحزن الأمكنة، أمام المرآة خلعت أساورها، ألقتها على حافة السرير، هي التي أهداها في أول صباح.. أساور من حبق، كان يعرف أنها لن تنسى مدينتها المزدحمة بالحياة».
طرقات برية
وفي حكاية «طرقات برية» نرى حالة من التوحد والتماهي مع الأرض التي تشكل له كل شيء في ثنايا ذاكرته وكل ما يربطه من حنين إلى الشجر والحجر والخبز وأمه التي يستذكرها بحرقة ويحن إلى أيام عاشها ولكنها ما تزال تكبر في ذاكرة لا تقبل النسيان، ويقول: «تلك البراري الغافية على كتف البادية، لا حدائق ولا ملاعب ولا غابات، أما زلت يسكنك الصبر مئات من السنين وأنت غارق في لجة من ملح وماء، منذ ألف وأكثر.
أنت وريث الضوء تبحر في سرّ المعرفة؟ أرض بور وحرائق وذاكرة وحنين، رمان وتين وماء. ووجوه أتعبها الشوق للنهارات، كالنحل يطوف على زهر الليمون واليانسون، أشرب سلافاً والكأس دائرة.. تلاطم موج شرقي إليك بيادر وأكوام متناسقة متباعدة من الشعير والقمح، قبل نصف قرن من الزمن، أذكر تلك البيوت الطينية والعتبات العاليات، بما أن «الله اشترى من المؤمنين أنفسهم» خلق الأرض للفلاحين للعمل ليتساكنوا معها وفيها، الغربة تمزق الذاكرة.. لملمت بقايا ذاكرتي في كلمات، «وأحبك من صدق.. من حب أهلنا.. مو متل حب هل الوقت»؟! دائماً تأخذني الذاكرة إلى تلك الطرقات البرية، التي مشيت فيها حافي القدمين، أهش على غنمي بقضيب من الرمان، تركض طفولتي المشاغبة في تلك الطرقات، التي تخترق بيوتاً طينية وإسمنتية تعشقها الفقر، أستيقظ باكراً، أغسل وجهي بالماء البارد، أتناول بعض لقيمات سريعة من خبز التنور المبلل بالحليب والسكر، كي ألحق بأمي «آه وألف آه يا أمي». التي سبقتني إلى السهول البعيدة، كنا نجمع بقايا سوق القمح والشعير».