دعوة خاصة للجميع كريستين جبران في «رحلة كُرَّاس الرَّسم»

الإثنين 6 أغسطس 2018 - 08:16 بتوقيت غرينتش

للمرة الأولى يضع الفن التشكيلي مبضعه بهذا الشكل المُبهِر على الحرب في سورية، وذلك من خلال معرض الفنانة «كريستين جبران» في المركز الوطني للفنون البصرية والذي حمل عنوان «journey sketchbook.. رحلة كُرَّاس الرَّسم»، إذ لا تكتفي الفنانة بملامسة سطح فكرة الحرب، بألوانها وتشكيلاتها وكولاجاتها المتنوعة، كما فعل كثيرون، وإنما تغوص عميقاً متسلِّحة بذكاء اللقطة والقدرة الفائقة على تكوينها ببضع صور وقليل من الألوان والحروف والجُمَل، فكل عمل من أعمالها يحكي قضية ويتناول وجعاً، وهو ما استدعى الابتعاد عن مجانية الخطوط وعدم الركون نهائياً إلى السهولة في توضيب عناصر اللوحة، فكما تقول الفنانة جبران إن الفكرة بالنسبة لها أساسية، وبعد تحديدها لها تبدأ بالبحث عن العناصر التشكيلية التي تناسبها، فالكولاج ليس مجرد عملية نسخ ولصق كما يتوهّم البعض، بل هو بحث حقيقي وجدّي للوصول إلى كمال اللوحة، فكيف إن كانت تنضوي تحت لواء السَّهل الممتنع، فضلاً عن فرادة التَّعاطي مع التفكير التشكيلي الملتزِم، والذي يُعاني صاحبه الأمرَّين بحثاً وتجذيراً لبصمة خاصة في هذا المجال الفني الخاص. أن تتواءم الورود مع البارودة، وأن تخيط الأفواه بخيوط حمراء، وأن تتحول سبطانة الدبابة إلى أرجوحة للأطفال، وأن تميل اللوحات لأن تصبح فعلاً رحلة في مناخات موحشة بين الأيام المُثخنة بالجراح، وبين الخوف المديد، وانعدام الموسيقا، وصُوَر الموتى، والطفولة المقموعة، والمستقبل المسلوب، والناجي الأخير، والأمومة العظيمة، والكثير غيرها من أفكار تتواشج فيها الصُّوَر مع العناوين بالبونط العريض، وبعض النصوص الصغيرة أو الكبيرة المُناسبة لموضوع كل عمل على حدة، وامتزاجها مع قليل من الخطوط والألوان بطريقة مدروسة حيث لا تكون مُقحمة، بل تُسهم في صناعة أعماق للوحة، وأحياناً تزيد من تعبيريتها كقطرات الدم المنتشرة على رجاءات الأطفال ولُعَبِهم البريئة، أو دوائر العدم المُحيطة بآدم وحوائه، أو المستطيلات التي تُقدِّم للأسرة عُمقاً زائداً وإيغالاً في مآسيها، فلا أصداء للحرب أكثر من تعابير الوجوه، والنوافذ التي لا تُفضي إلى شيء، رغم لفظ الجلالة في الزاوية العُليا لأحد الأعمال، أو الشمس المرسومة بيدين طفوليتين فوق خراب الدَّار، حتى ذكريات العشَّاق ومُفكِّرات الشُّعراء وانتظاراتهم المريرة وجدت لها مكاناً في أعمال «جبران»، فهي لا تستثني أحداً في كتابها، بما في ذلك وعيد جنود الأعداء بأن بلادنا لن تكون كما كانت، فالحرب تُمزِّق الحدود كإحدى أهم الهدايا المُقدَّمة التي تقلب الصُّورة، وتجعل التوازن نعمة، كما قالها مرة ممدوح عدوان «طوبى لمن أتقن أن يتوازن في المشي وكان العالم مقلوبا»، ولمزيد من التراجيديا تصبح الأسلاك الشائكة مناسبةً للأفواه أكثر، بينما تُغطَّى العيون بشرائط سوداء عريضة، لتقولها المرأة في أحد الأعمال: «علينا أن نخرج منتصرين من المعركة التي تفرضها علينا الأهواء الخبيثة»، والأفكار الفاسدة والدِّين الفاسد، حيث لا تبقى الأحلام عبارة عن قائمة على ورقة مُرفقة بمجموعة من الصُّور، فما زلنا قادرين على قول «لا» لكل هذه البشاعة، وألا نُبقي العَيش طريقاً للأذى، فلا ينبغي مثلاً استصغار الأنثى فهي جميلة بطرائق مختلفة وإن لم تكن «مارلين مونرو» عصرها… هذا بعض ما طرحته الفنانة «كريستين» في كتابِ رحلتها واضعةً إيانا أمام الكثير من القصص التي لا تكتمل إلا باجتماعها كاملةً في وعينا، الذي اشتغلت عليه كما أخبرتنا كمُنَقِّبة للآثار، لا تمل من نبش الصُّوَرِ والقصاصات والكلمات المؤثرة فيه، ولصقها بجانب بعضها، لتجعلنا كأنما أمام قصتنا نحن، لكنها ترويها بأقصى طاقتها التعبيرية وأسلسها من ناحية التشكيل البصري المدروس، وكأنها دعوة خاصة للجميع لاكتشاف انعكاسات الحرب على ذواتهم.  

جميع الحقوق محفوظة لقناة العالم سورية 2019