يشارف المخرج جود سعيد على الانتهاء من تصوير فيلمه الثامن “نجمة الصبح” في ريف دمشق بعد أن قام بتصوير أغلب مشاهده في مناطق الساحل السوري، والفيلم يتضمن حكاية عن نساء في زمن تتلاحق فيه الأحداث العنيفة وصراعاً بين الخير والشر ومصير نساء مختطفات وحكاية عن الحب والوطن.
الحقيقة والخيال
ومن أحد مواقع تصوير الفيلم في
ريف دمشق بيَّن
المخرج جود سعيد في حواره مع
وسائل الإعلام التي زارت موقع التصوير ومنها “البعث” أنه على الرغم من اعتماده على قصص حقيقية في فيلمه إلا أنه لا يرى مسافة كبيرة بين ما هو واقعي وما هو خيالي لقناعته أن الجزء الأكبر في خيالنا مبني على ما عشناه وسمعناه، وبالتالي هو ينسى في فيلمه “نجمة الصبح” كما في كل أفلامه مرجعية حكايته الواقعية، محاولاً أن يبني لها واقعها الخاص المرهون بشخوصها وحكاياتها، تاركاً للجمهور الحكم ليحدد مدى التصاق حكايته بالواقع، ولنفس السبب لا يستطيع سعيد أن يحدد ما يميز “نجمة الصبح” عن بقية أفلامه لأن من يفعل ذلك برأيه هم النقاد والجمهور وأن خلق السينما بالنسبة له يبدأ في كل مرة وكأنه لأول مرة، ولا يعنيه أبداً أن يقارن بين أفلامه، فهذا برأيه متروك للجمهور أيضاً، مشيراً إلى أن نهاية “نجمة الصبح” مختلفة عن كل نهايات أفلامه السابقة، وهو ليس فيلماً تراجيدياً بل فيلم كوميديا سوداء، منوهاً أن اختياره للأماكن الحقيقية للأحداث التي تتناولها أفلامه ومنها “نجمة الصبح” يخلق حالة حقيقية تكون أكثر قدرة في التأثير على الناس لارتباطها بذاكرتهم سواء بتجارب شخصية أو جمعية، مشيراً إلى أنه اختار لفيلمه مجموعة من الوجوه الجديدة، بعضهم خريجون جدد من المعهد العالي للفنون المسرحية، وكانوا طلابه، وبالتالي هو يعرفهم ولا يحتاج لاكتشافهم، وبعضهم ليسوا خريجي المعهد حيث استعان بفتاتين توأم كانتا تدرسان في معهد تمثيل خاص، منوهاً إلى وجود فنانين يتكرر وجودهم في أفلامه لأنه يستمتع بالعمل معهم وهو في كل مرة يكتشف جانباً جديداً من شخصياتهم الفنية وقد نجحوا في كل مرة بتقديم أداء مختلف لكل الشخصيات التي قدموها.
وعن الفنان محمد الأحمد بطل الفيلم أكد سعيد أن هذا الفنان ترك أثراً كبيراً في السينما السورية بعد مشاركته في فيلم “مطر حمص” وهذا الكلام يعود لكبار النقاد داخل وخارج سورية وأن دوره في “نجمة الصبح” سيشكل مساحة مهمة في تاريخ هذا الفنان .
ولأن في جعبة جود سعيد فيلمين لم يعرضا بعد رغم إخراجهما هما “درب السما” و”مسافرو الحرب” بيّن أنه لا يستعجل عرضَ أفلامه لإيمانه أن الفيلم السينمائي لا يُصنع ليُقَدَّم اليوم ثم يموت كالأعمال التلفزيونية وهو صالح للعرض ولو بعد خمسين عاماً، منوهاً إلى أهمية ضرورة تحييد اللحظة العاطفية الموجودة عند الناس اتجاه الحدث الواقعي ليتم بعد وقت استنهاض هذه اللحظة بعد أن تكون نامت في وعي الناس ليتم التفكير فيها ولكن بطريقة مختلفة، وهنا يكون التأثير أكبر برأيه، لذلك يجب ألا يستغرب أحد إن عاد وقدّم سعيد بعد عشرين عاماً فيلماً عن الحرب في سورية بطريقة مختلفة عما يقدمه اليوم لأن الإنسان مع مرور الوقت ينظر إلى الأشياء بطريقة مختلفة.
ما يفوق الخيال
واعترف الفنان لجين إسماعيل وهو أحد أبطال الفيلم أن تصوير مشاهده في أماكن الأحداث الحقيقية جعلته يتعرف على هذه الأماكن التي تم الحديث عنها مطولاً وقد شاهد فيها ما يفوق الخيال لحجم الإجرام الذي مُورِسَ فيها على مواطنين سوريين اختُطفوا وسُجنوا فيها بأتعس الظروف الإنسانية، مشيراً إلى أنه يؤدي دوراً لا يشبهه على الإطلاق، ولتجسيده بشكل صحيح اعتمد على مصادر لها علاقة بما كنا نراه على التلفزيون وبالاعتماد على أشخاص عاشوا الحرب والأحداث حيث كان التواصل معهم للحصول على معلومات خاصة، مع تأكيده أن فيلم”نجمة الصبح” فيلم درامي، والدراما برأيه الأكثر تأثيراً من التوثيق، لذلك كانت الأولوية في الفيلم التركيز على تفاصيل قد تضيع في التوثيق أو قد تكون غير واضحة، كما لم ينكر إسماعيل أن تكرار التجربة مع المخرج سعيد وهو الذي سبق وأن شارك في “مسافرو الحرب” و”درب السما” اللذين لم يعرضا بعد يحمّله مسؤولية كبيرة على صعيد البحث وبناء الشخصيات بشكل لا تشبه بعضها ليُقَدِّم في كل مرة شخصية مختلفة عن ما سبق وقدم، وهذا لا يحدث إلا بالتعاون مع المخرج سعيد لأنه العين التي ترى ما يُقَدّمه بشكل صحيح.
مسؤولية كبيرة
أما الفنانة نسرين فندي التي تشارك في “نجمة الصبح” كممثلة ومدربة للوجوه الجديدة التي استعان بها المخرج سعيد فقد أكدت أن التدريب مسؤولية كبيرة وقد اقتصرت مهمتها على تدريب الوجهين الجديدين سارة وناديا صدقي (التوأم) والطفل كرم، موضحة أن مهمتها كمدربة بدأت قبل تصوير الفيلم باختبار إلى أي مدى هما قادرتان على القيام بما تطلبه شخصياتهما وقد كانتا للوهلة الأولى مناسبتين للدور على صعيد العمر لتبدأ مهمتها بعد ذلك بجملة من التمارين التي تهيئهما كممثلتين، وعندما أصبحتا ضمن الخيار صار التدريب يتم أثناء التصوير من خلال بروفات متكررة، منوهة إلى أنها كانت صلة وصل بين ما يريده المخرج سعيد وما يمكنهما فعله، كما رفضت فندي الحديث عن الصعوبات التي واجهتها مع فريق العمل أثناء التصوير وترى أن هذه الصعوبات مهما كان حجمها لا يمكن أن تُذكَر في ظل ما عانته المخطوفات من تعذيب على مدار سنوات في أنفاق تحت الأرض، لذلك رأت أنه من حق هؤلاء المخطوفات علينا أن نحكي حكاياتهم بكل ضمير.
وعن دورها كممثلة في الفيلم أوضحت أنها تجسد شخصية لبنى الفتاة السورية التي تعرضت لأكثر من صدمة نفسية نتيجة الحرب الدائرة على سورية ليتوّج ذلك بعملية خطفها الذي تتعرض فيه لأشد أنواع التعذيب، منوهة فندي إلى أن لبنى تعيش حالة تحول درامي كبير في الفيلم حيث تنتقل من لبنى الفتاة القوية والمرحة (قبل الخطف) للبنى المكسورة والمقهورة والمظلومة التي نراها بعد فترة تعود لقريتها وقد انعزلت إلى واقعها هرباً مما تعرضت له من صدمات.
ونسرين فندي اليوم ترفض النظرية القائلة بضرورة التروي في التعبير عما حدث في الحرب والانتظار لما بعد الانتهاء منها لقناعتها أن ذاكرتها الشفهية تمحى مع الوقت وقد تتغير أو تتبدل، وبالتالي فإن إنجاز أفلام أثناء الحرب يوثق للذاكرة وهي تلتقط تفاصيل اللحظة التي إن لم يتم رصدها مباشرة ستُنسى، إلا إذا وُثِّقَت بفيلم بحيث يصبح هذا الفيلم ليس لمجرد متعة بصرية بل ذاكرة ووثيقة.
وبعد تجربتين سينمائيتين هما “حنين الذاكرة” مع كوثر معراوي و”عزف منفرد” مع عبد اللطيف عبد الحميد يعتبر الفنان الشاب ماجد عيسى الذي يشارك في فيلم “نجمة الصبح” نفسه محظوظاً بهذه المشاركات السينمائية التي وإن كانت بسيطة إلا أنها لم تكن مجرد عبور، بل ضرورة من ضرورات الفيلم، مشيراً إلى أنه سعيد بتعامله مع مخرجين كبار أمثال عبد اللطيف عبد الحميد وجود سعيد وكوثر معراوي، منوهاً إلى أن وجوده في أماكن حقيقية للأحداث التي يرويها “نجمة الصبح” ساعده كثيراً في أداء الشخصية التي لعبها وهو الذي يجسد شخصية الإرهابي ليكون “نجمة الصبح” تجربته الأولى مع جود سعيد الذي استطاع كمخرج أن يخلق بيئة صحيحة برقيّه ومنحه كممثل الوقت الكافي لتقديم أفضل ما عنده ضمن أجواء مريحة ودعم كبير من قبله وفريق العمل ككل.
ولم تخفِ الفنانة رنا جمول حزنها الكبير وتأثرها بعبثية الحرب التي خربت ودمرت وأوجعت وظلمت مواطنين سوريين كانوا يعيشون بسلام في بيوتهم وقراهم.. وعن العمل في السينما تبين جمول أن لها خصوصية كبيرة فهي تعمل على أدق تفاصيل الأحداث والمشاعر لذلك يستمتع بها الفنان كثيراً، خاصة إذا كان يشارك في فيلم كـ “نجمة الصبح” له قيمة فنية واجتماعية ووطنية، موضحة أن متعة السينما لا تختفي حتى ولو كان الموضوع الذي تعالجه شديد القسوة.
وعن دورها في الفيلم بيّنت أنها تجسد دور إحدى نساء قرى اللاذقية التي تم الهجوم عليها فشاهدت أبشع ما يمكن أن يُشاهَد في الحرب من اختطاف للنساء والأولاد وقتل للرجاء، وهذا كله برأيها يجب أن يُوثّق في فيلم حتى لا تُنسى هذه الجرائم التي ارتكِبت بحق أناس أبرياء.
الفيلم من بطولة: محمد الأحمد، حسين عباس، لجين إسماعيل، يوسف المقبل، رنا جمول، مأمون الخطيب، كرم الشعراني، نسرين فندي، سارة وناديا صدقي وغيرهم.
أمينة عباس