تعمل هذ الأيادي وفق معايير فنية حاكت نقوشاً فارسية مميزة، تتصدرها الطبيعة المتخيلة، لينطلق المبدعون هؤلاء في اشتغالهم على تكريس مفردات الطبيعة في السجادة والفرش لإحضار مشاهد مزدحمة دون فوضى لطيور نادرة تغازل الأغصان بين الزهور البرية بأنواعها المنتشرة والنادرة، فضلاً عن أعشاب الزينة المتنوعة التي تضوع بأزكى الروائح، إضافة إلى تجسيدها لمشاهد تجسد حيوانات وزواحف مختلفة في غابات بلاد فارس وسهولها.
ومنذ أقدم الأزمان، رسخت مدارس السجاد في تبريز ثقافة الطبيعة الفارسية الساحرة لتحولها إلى منهجٍ يُحاك على السجاد عبر أنسجة الصوف والحرير، لتتفرد السجادة الفارسية بهويتها الخالصة.
سجاد لعله لم يصلنا تسويقاً كما يجب، لكن اصطلاحه يعبر بجمال عن ثقافة تلك الجهات وهوية نقوشها، ويبقى البعض متوهماً أنها فارسية لكنها مختلفة تماماً، فهؤلاء في إيران، باختلاف أعراقهم ولغاتهم وعاداتهم وتاريخهم يبقون مختلفين عن الثقافة الفارسية المعروفة، إذ يحيكون الأنسجة بإبداع مختلف لتكون مُعبرة عن حضاراتهم الخاصة التي يعيشونها في ظل الدولة الإيرانية، لتحافظ على هوياتهم.
لم يكتفِ المشتغلون في السجاد الفارسي بترويجهم للجغرافيا الطبيعية لبلاد فارس، بل تحولت صناعة السجاد على أيديهم إلى التعبير عن وجود أولئك الذين يحملون فكراً مغايراً واعتقاداً دينياً متمايزاً، ليعبروا عن إيمانهم، ويوثقوا ما يحملونه من اختلاف فكري أو عقائدي نقشاً وفناً في السجاد، فالأقليات الدينية في إيران متعددة، كاليهودية والمسيحية والزرادشتية؛ ويبدو ذلك جلياً في الكنائس والمعابد المرسومة على السجاد؛ والتعابير القصصية الدينية التي تدخل في النسيج ليروي على البصر صوراً منسوجة ومؤثرة، بتفاصيل منقوشة تبدو كرواية تروى دون نص.
رغم كثرة السجاد الإيراني في السوق، يغفل أغلبنا معنى تلك التعابير التي يصطبغ بها، فلا نرى من فرط سرعة الاختيار من ألوان جميلة، سجادات الآداب والثقافات المعبرة عن القصص الأدبية المعروفة في تاريخهم الثقافي والحكايات الشعبية، مروراً بكتابة القصائد وروايات العشق وأساطير وأشعار وشخصيات أدبية نسجت وجوههم «بورتريهات» منسوجة لتخلّد، وعبر السلالات، خرج النساجون من جيل إلى جيل، ليسجلوا في تاريخهم العديد من الأنسجة والزخارف في بساط يبحر عبر القارات؛ وغالباً يُعلق هذا النوع من السجاد على الجدار، ولا يُبسط أرضاً.
بالعودة إلى الإثنيات في إيران، وسجاداتها المختلفة تماماً عما ذكرناه.. ليرى المتابع أن إيران بحدودها السياسية الحالية تضم أقليات أخرى لا تنتمي ثقافتها إلى الثقافة الفارسية، بعد أن ضمت كل تلك الأقليات عبر تاريخها إلى حدودها، دولاً ومدناً وأراضي وبحاراً شاسعة.
فهناك عرب وبلوش وأذر وقاشان وكرد وأرمن وتركمان تضمهم إيران بحدودها السياسية الحالية، ولأن تلك الأقليات مختلفة بلغاتها وثقافاتها وعاداتها عن حضارة فارس وسجادها الأصفهاني والشيرازي والتبريزي، أثبتت هذه الأقليات وجودها في ما تملك من تراث غني وثقافة عميقة ومغايرة، إضافة إلى مهارة أبنائها في إنتاج السجادات التي تتميز عن السجاد الفارسي بتنوعه، ليتفرد هؤلاء في تراثهم وثقافتهم عبر السجاد المنسوج؛ لتنتفي فكرة حصر السجاد بالهوية الإيرانية مع الزمن.
ومن أقدم ماعثر عليه سجادة فارسية في مقبرة (بازيريك) جنوب سيبيريا التي يعود تاريخها لعام 500 ق. م. في العصر الاخميني.
ويعتبر السجاد اليدوي الإيراني الأجود في العالم وواحدا من أهم صادرات ايران غير النفطية لما يتمتع به من أناقة وجمال فريدين ودقة نادرة تضفيهما عليه الأنامل الذهبية التي تصنعه.
ويختلف السجاد على حسب نوعية الخيوط واشكالها والوانها ولكل مدينة ايرانية طابعها الخاص، وأهمها الكاشاني الذي يُصنع من أجود صوف الكرك (أي الخرفان الهرفي),والأصفهاني المُطعم بالحرير؛ والخراساني المشهدي المميز بكثافته وتنسيق ألوانه, والكرماني وله نقشة خاصة والناييني المُطعم بالحرير, والشيرازي, والقمي بأنواعه الصوف والحرير, والتبريزي بأنواعه الراقية والتجارية, والأردبيلي بنقشته الخاصة الأذارية التركية, والطهراني بالوانه العصرية ولمسته الراقية.
ويحدد عدد العقد الموجودة في السجاد قيمتها، والعقدة في السجادة تعني عدد العقد في السنتيمتر الواحد في أثناء غزلها، وكلما زاد عدد العقد ارتفعت قيمة السجادة، لأنها تستغرق فترة أطول في الصنع.
ووفق معطيات وزارة الصناعة والتجارة الإيرانية، يبلغ عدد العاملين في قطاع السجاد اليدوي نحو 2.5 مليون شخص، ويتم تصدير قرابة 80 % من أصل 400 ألف طن من هذا السجاد سنويا.
المصدر: ايران بالعربي