بُنيت كنيسة أم الزنار في القرن الأوّل للميلاد (59)، بعد وفاة السيدة العذراء، بحوالي ثلاث سنوات، واسمها الرسمي كاتدرائية السيدة العذراء أم الزنار، وتقع في حمص في منطقة الحميديّة.
وكانت الكنيسة في أواسط القرن العشرين مقر بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، وغدت بعد انتقال الكرسي البطريركي إلى دمشق العاصمة مقر أبرشية حمص وحماه للسريان الأرثوذكس.
التفرد البنيوي:
تشتهر الكنيسة بنمطها المعماري الفريد، وقد استخدم الحجر البازلتي الأسود في البناء، فضلاً عن القناطر الحجرية.
في عام 1852 قام المطران يوليوس بطرس بترميم الكنيسة، فردم السقف الخشبي وبعض الجدران، وأشادوا الكنيسة الحالية القائمة على ستة عشر عاموداً ضخماً منها ثماني أعمدة وسط الكنيسة والباقي ضمن جدرانها، وأشادوا في وسطها قبة نصف اسطوانية مزخرفة.
في عام 1901 أضيف للكنيسة الجرسيَّة الحالية، وفي عام 1910 وبأمر من السلطان العثماني محمد الخامس جددت الكنيسة، وفي عام 1953 وخلال حبرية البطريرك إغناطيوس أفرام الأول برصوم تم إخراج الزنار من وسط المذبح، وعرضه في مزار صغير مجاور للكنيسة؛ وفي عام 1954 قام البطريرك أفرام الأول برصوم بتوسيع الكنيسة لجهة الغرب وإضافة جناح لها.
الكنسية الأولى التحت أرضية:
كانت الكنيسة القديمة عبارة عن كهف صغير من “الكذان” يتسع لحوالي ثلاثين مصليًا، لا توجد فيها أية علامات دينية من صليب أو أيقونة تشير إلى أنها كنيسة، وذلك بسبب الخوف من الاضطهادات التي كانت تعيشها المسيحية في القرون الأولى من انتشارها.
لاحقًا وبعد انتشار المسيحية، بُنيت إلى جانب هذه الكنيسة كنيسة أخرى من الحجر الأسود، مارس فيها المصلون شعائرهم الدينية فترة طويلة من الزمن، ثم ردموها وبنوا الكنيسة الحالية الضخمة التي تتسع لـ500 مصلٍ.
اهتم السريان بتجديدها عام 1852 حيث نقلوا الزنار المقدس من الكنيسة القديمة الأولى إليها، ووضعوه في مذبح الكنيسة وسط الهيكل، ونقشوا رقيمًا حجريًا كتب بـ (الكرشوني) يدل على تاريخ تجديد البيعة عام 1852 في عهد (يوليوس بطرس) مطران الأبرشية.
ولكن كيف وصل زنار السيدة العذراء المقدس إلى مدينة حمص ليجعل من الكنيسة المسماة باسمه أهم أثر مسيحي
من المعروف أن السيدة العذراء توفيت في فلسطين، فجّنزها الرسل القديسون، ودُفن جثمانها في قرية الجسمانية، وعلى الأغلب أن الزنار الخاص بها قد رافقها في حياتها ودُفن معها في القبر، وفي الاعتقاد المسيحي والتقليد الأرثوذكسي، أنه بعد وفاة مريم العذراء بثلاثة أيام حمل الملائكة جسدها إلى السماء، وأثناء صعودهم رآها القديس (توما الرسول) حيث كان يبشر في الهند ولم يشترك في تجنيز السيدة العذراء، وتأخر وصوله إلى هناك، وكان محمولاً على سحابة، فرأى وهو في الطريق العذراء تصعد إلى السماء، محمولةً في موكب ملائكي عجيب، فأخذ بركة الجسد الطاهر، وطلب علامة يبرهن بها لإخوته التلاميذ عن حقيقة صعود العذراء بالجسد إلى السماء، فأعطوه الزنار المقدس.
أخذ القديس (مار توما) الزنار معه عند رجوعه مرة ثانية إلى الهند، وصحبه في الأماكن التي كُرّز فيها حتى وفاته، فحُفظ الزنار مع رفات هذا القديس طوال أربعة قرون، ثم في أواخر القرن الرابع الميلادي “في 23 آب 394م” نقل هذا الزنار المقدس من الهند إلى “الرها” مع رفات القديس توما، ثم نُقل الزنار وحده إلى كنيسة العذراء في حمص سنة/476/ م.
وحل راهبٌ يدعى الأب (داوود الطور عبديني) في كنيسة العذراء بحمص ومعه رفات الشهيد (باسوس) وتركها فيها، وكان معه أيضًا زنار العذراء، ومن يومها خلع الزنار اسمه على كنيسة العذراء، فأصبحت تُعرف من ذلك العهد باسم كنيسة الزنار أو كنيسة (أم الزنار) ودوّن في كتبها الطقسية المخطوطة.
كيف تم العثور على زنار السيدة العذراء؟
تضم هذه الكنيسة اليوم مجموعة ثمينة من الأيقونات والآثار الفنية، من أهمها زنار السيدة العذراء، الذي اُكُتشف في أواسط شهر نيسان من عام /1953/م في جرنٍ حجري تحت مذبح الكنيسة حينما كان مجموعة من رجال الدين يتصفحون بعض المخطوطات والرسائل.
عثر الرجال على كتاب كرشوني يتضمن قصصًا ومواعظ ظهر لهم أنه مجلد بعدة أوراق كُدّست بعضُها فوق بعض، وكان الشرقيون منذ ثلاثمائة عام يجلدون بعض مخطوطاتهم بهذه الطريقة أو بخشب سميك ثم يغلفونها بجلد أو قماش سميك لقلة الكرتون، ولما فتحوا جلدة الكتاب وجدوه مؤلفًا من ستٍ وأربعين رسالة بـ (الكرشوني) والعربي تخّص أبرشية حمص وتوابعها مكتوبة منذ مائة عام.
والكرشوني) هو اسم الكتابة السريانية التي كانت مستعملة لنسخ النصوص العربية(.
إحدى هذه الرسائل كتبها سنة /1852/ م وجهاء أبرشية سورية، إلى وجهاء ماردين / تركيا/ المجاورة لـ (دير الزعفران) للسريان، حيث الكرسي البطريركي تتضمن أحوال أبرشيتهم، ذكروا فيها أنهم حينما هدموا كنيستهم، وجددوا بنائها، لقدمه، وجدوا زنار السيدة العذراء موضوعًا في وعاء وسط مائدة التقديس في المذبح.
المائدة المقدسة
بناء على المعلومات قام القيّمون على الكنيسة بالكشف عن المائدة المقدسة صباح اليوم العشرين من شهر تموز/ 1953/ فوجدوا رقُيمًا حجريًا طوله/46/سم وعرضه/44/ سم مكتوبًا عليه بـ (الكرشوني) بخط حسن ما يلي:
“إنه في سنة/59/ م بُنيت هذه الكنيسة، وذلك في زمان البشير ملا المدعو أيضا “إيليا” ثم ذُكر تاريخ تجديد الكنيسة سنة /1853/م في عهد المطران (يوليوس بطرس)، وأورد الرُقيم أسماء البلدان والقرى التي تبرع أهلها بنفقات العمارة وعُثر خلال ذلك على جرنٍ حجري مغطى بصفحة نحاسية سميكة مدورة قديمة، وداخله الوعاء، وعند فتح الوعاء تكسّر لعتقه، فظهر الزنار ملفوفاً بعضه فوق بعض وإمارات القدم بادية عليه، ووُجدت أنبوبة من معدن رقيق في طرف الوعاء الأعلى تنطوي على عظم مجوف يظهر أن في داخله قطعة ورق تُركت على حالتها وجُمعت أجزاء الوعاء لحفظها، ويبلغ طول هذا الزنار المقدس /74/ سم وعرضه /5/ سم وسمكه /2/ مم، وهو مصنوع من خيوط الحرير الخالص ومطرز بخيوط الذهب على سطحه الخارجي، ولونه الذي يميل إلى البيج الفاتح.
وفي عام 2011
كانت المنطقة التي تحوي الكنيسة، قد شهدت عدة مظاهرات منذ بداية الأحداث السورية عام 2011، وتعرضت الكنيسة لأضرار خارجيّة، في حين نفت المطرانية أن تكون الكنيسة بحد ذاتها قد نهبت أو أن يكون الزنار قد سرق وقالت: إن الأضرار في الكنيسة بحد ذاتها خارجيّة.
لتعود بعدها الكنيسة ومنطقتها آمنة في عام 2014.
الجدير بالذكر أن كنيسة أم الزنار الحالية مقامة على ستة عشر عامودا ضخما منها ثمانية أعمدة وسط الكنيسة والباقي ضمن جدرانها وفي وسطها قبة نصف اسطوانية مزخرفة كما تزين جدرانها الحجرية ايقونات قديمة وحديثة للسيدة مريم العذراء.
وأهم مرجع تاريخي تحدث عن تاريخ الكنيسة فهو منشور بعنوان “اللؤلؤ المنثور” للبطريرك إفرام برصوم.
المصدر: الاتحاد برس