قراءة في عينة من موسم الدراما الحالي «ترجمان الأشواق» التفاتــة لمآلات اليسار السوري

الأحد 2 يونيو 2019 - 09:25 بتوقيت غرينتش
قراءة في عينة من موسم الدراما الحالي «ترجمان الأشواق» التفاتــة لمآلات اليسار السوري

من النادر أن يمر موسم دراما السورية من دون أن يُشعل الكثير من السجالات، وغالباً كانت تشتعل هذه السجالات بعد أن تصل مسلسلات الدراما إلى حلقاتها الأخيرة.. غير أنه في موسم رمضان هذا العام؛ فقد دارت عجلة السجالات تقريباً منذ الحلقات الأولى..
وقبل أن نُقدم قراءتنا الخاصة بهذا الموسم الدرامي؛ دعونا ننوّه بأكثر من مسألة؛ وهي أن الدراما السورية لاتزال أولى الدرامات العربية مهما خفّ وهجها، ومهما قيل من كلامٍ كثير عن تراجعها، ومهما تحدّث المغرضون عن محنة تسويقها.. وإذا كان لدينا من مأخذ على الدراما السورية؛ فهو الاهتمام الشديد بهذا الفن الإبداعي الذي يكون – غالباً – على حساب بقية الأنواع الإبداعية في سورية، بل حتى على حساب مواسم استراتيجية كالحمضيات والقمح والقطن.. وإن هذه الدراما ومنذ دخل في صناعتها المال الأجنبي، ولاسيما المال الخليجي على وجه التحديد؛ تمّ تحميل نتاجها من المسلسلات الكثير من الرسائل جلّها تحمل الهدم لا البناء في طياتها.. وأمر آخر لابدّ من الإشارة إليه؛ إن الدراما من دون بقية الأجناس الإبداعية السورية شهدت الكثير من «شد الأعصاب» وحتى الانتهازية، واليوم الممثل السوري تارةً تجده يُحيي الجيش العربي السوري، ويُقدم «فوزه» لهذا الجيش، وحيناً تجده يُغرد على قنوات العدو سواء تحدثت تلك القنوات بالعربية أو بالعبرية أو بالتركية..
في هذا الموسم من الدراما، تسنت لي متابعة بعض الأعمال التلفزيونية، بعضها سوريٌّ صرف، وآخر غلب عليه العنصر العربي، وتحديداً هنا «اللبناني»، وقد تفاوتت المشاركة اللبنانية، بين أن يكون أغلب صُناع العمل التلفزيوني لبنانيين، أو قد تقتصر المشاركة على ثلاثة ممثلين، ومن هذه الأعمال: «ترجمان الأشواق، سلاسل دهب، دقيقة صمت، الباشا، وآخر الليل»..
ترجمان الأشواق
مسلسل «ترجمان الأشواق» الذي أخذ الكثير من الأخذ والرد، حتى تمّ قبول عرضه مؤخراً على الفضائية السورية، إذ استمرّ الأخذ والرد مدة تجاوزت الموسمين الدراميين من دون معرفة الأسباب الحقيقية للتأخير في عرضه، وفي هذا المسلسل الذي سلط الضوء على مآلات «اليسار السوري»، بمعنى ألقى الضوء على النهايات لهذا التيار الذي تساوقت مع المحنة السورية والحرب الضروس على سورية، وذلك من خلال حكايات لـ«ثلاثة شيوعيين» كل منهم وصل لمآل مُختلف؛ الأول وهو طبيب جراح (زهير- غسان مسعود) يجد مآله الأخير في الصوفية العرفانية، وراحته وتوازنه بالإسلام الصوفي، إذ يقوم بمهمة المصالحات بين الحكومة السورية والمسلحين، وهنا لابأس أن نُشير إلى اسم المسلسل الذي حاول أن يحمل مآلات هذه الشخصيات الثلاث (ترجمان الأشواق) هو اسم لكتاب للعرفاني الشهير ابن عربي، فيما الشخصية الثانية ذهبت صوب العبثية واللاجدوى، إذ يقضي (كمال- فايز قزق) أوقاته في الملاهي والانغماس بالشراب وغير ذلك، وأما الشخصية الثالثة التي يُجسدها (عباس النوري – نجيب) المؤلف والترجمان الذي كان مُغترباً لأسباب سياسية منذ زمن طويل لكنه يعود في ذروة الأزمة بسبب اختطاف المسلحين لابنته الوحيدة، إذ يكون مآل هذه الشخصية الانغماس في الحزن الشديد والكآبة.. وهنا أيضاً لابأس من الإشارة إلى أنها من المرات الأولى التي تكون موضوع الدراما السورية حكايات لليسار السوري، وإن كانت هنا تتحدث عن المآلات الأخيرة لهذا التيار وليس سلوكه ونشاطه من أزمنة بعيدة..
المسلسل بدأ بحلقاته الأولى مرتبكاً، ثم ولحلقات كثيرة مشى بإيقاع بطيء جداً، قبل أن يرشق بخطواته في الربع الأخير منه، عندما يصل لأقصى حالاته التراجيدية مع معرفة نجيب بمقتل ابنته، وهو الذي كان قد قضى معظم حلقات المسلسل بحثاً عنها من دون نتيجة، ومع وصول المسلسل لحلقاته الأخيرة تُسجل الدراما السورية هذه المرة انعطافة جديدة لجهة الطرح، ولاسيما مع اجتماع الكبار: عباس النوري، غسان مسعود، وفايز قزق، حيث توزعت خطوط المسلسل على تنوعات الأحداث التي تجري على هذه الشخصيات الثلاث وعلاقة كل منهم بمحيطه.
سلاسل دهب
صحيح أن مسلسل (سلاسل دهب)؛ حاول أن يخرج عن صياغات دراما البيئة الدمشقية إلى حدٍّ بعيد، ولاسيما في مسألة إصباغ الحالة الكوميدية على أحداث المسلسل، لكن بقي الأمر «توليفاً» وليس تأليفاً، فيُمكن للمتفرج أن يجد فيه أطيافاً من مسلسلات سابقة: «ريّا وسكينة، الدغري، وغير ذلك» وحتى على خلفية باب الحارة وإخوته.. مسلسل يكاد يقوم على خطين، أو تقوم به شخصيتان تتلاعبان بأهل الحارة من خلال استغلال غفلتهم ومن ثمّ الاستيلاء على أملاكهم، الشخصية الأولى «مهيوب تاجر الدهب – بسام كوسا» الذي لابد من أنه سيترك طوال حلقات المسلسل أطيافاً من شخصية «إبراهيم الدغري – دريد لحام» في مسلسل الدغري، وفي الخط المقابل طليقتيه «دهب وزكية» المماثلتين إلى حدٍّ بعيد لـ «ريا وسكينة».. يصوّر المسلسل حواري مُفعمة بالدسائس والغدر والطعن في الظهر وأكل حقوق الفقراء، أو دفعهم لارتكاب جرائم القتل.. ومن هنا لا يبتعد (سلاسل دهب) كثيراً عن (باب الحار10) برغم أن الأخير حاول أن يجنح أيضاً ولو قليلاً عما سبقه من «أبواب حارة» سواء بالمرأة السافرة التي أمست اليوم طبيبة، أو المرأة التي تقتني كتاباً غير إن هذا الإنجاز النسوي لم يساوقه وعي ذكوري، فقد بقي الرجل مقيداً بشروال الحارة وطربوشها وخنجرها الذي يستله عند أقرب حماقة..
الباشا في آخر الليل
هنا أريد أيضاً أن أشير إلى مسلسلين، يدخلان في خانة المسلسلات المختلطة، وهما مسلسل الباشا، والثاني مسلسل آخر الليل، وأما «المُختلط» السوري الوحيد في المسلسل الأول، فهو الفنان رشيد عساف الذي يأخذ المسلسل اسم شخصيته في العمل، وهو الباشا إسماعيل الذي لم يفعل طوال جزأين سوى تخصيب نساء القرية، والمرأة التي تحمل منه وهو لا يريدها يقتلها على الفور لدرجة أنه يُنافس أولاده على نسائهم، شخصية سادية من دون أي مسوغ، صراخ وغضب طوال الوقت، يرفس هنا ويلكم هناك، بينما «يُعاون» الباشا على ساديته مجموعة من الممثلين اللبنانيين من الصف العاشر، بالكاد تحصل على اسم معروف.
في مسلسل (آخر الليل) يختلط فيه ثلاثة سوريين هما أحمد الأحمد ويزن السيد وفاديا خطاب، تحتاج عالمة فلك لا تقل عن نجلاء قباني أو ليلى عبد اللطيف لتعرف سر الاختلاط السوري اللبناني هنا..
دقيقة صمت
هو المسلسل المختلط الثالث، وهذه المرة الاختلاط باتجاه معاكس، بمعنى الأكثرية هنا، كانت للسوريين، وأما اللبنانيون المختلطون هنا فكانوا: استفاني صليبا، وأسامة المصري، وأيضاً، ما على المشاهد إلا أن يقف طويلاً متأملاً لماذا هؤلاء اللبنانيون هنا، وماذا أضافوا على «بدلائهم» السوريين؟!
في كل الأحوال، فإنّ مسلسل (دقيقة صمت) بقي حتى حلقته الرابعة عشرة، مسلسلاً ينحو باتجاه الأعمال الدرامية البوليسية الشائقة لا تشوبه «خُزعبلة» لكن مع الحلقة الخامسة عشرة، بدأ المسلسل ينحو صوب الأعمال السوريالية، وذلك لعدة أسباب: أولاً ما صرّح به كاتب المسلسل تلك التصريحات التي وضعت العمل كله في مقتل، في عنق العمل الفني ليُناسب أفكار صاحب العمل جعله يتجه صوب التسخيف، وكان الأفضل- وهذه وجهة نظر- لو بقيت أحداث المسلسل تسير ضمن خط الأعمال البوليسية بدل محاولات التعرض لمكوّن اجتماعي سوري، علماً أن المسلسل فشل في ذلك، لأن «المغلوب على أمرهم» موجودون في مختلف مكونات المجتمع السوري، وإلا لقلنا إن كل أعمال البيئة الدمشقية هي فقط للإساءة لأهل دمشق، مع تحفظي الشديد لأعمال البيئة الشامية التي تُكرس حالات الدسائس والغدر، والأعمال التي تناولت بيئة جبل حوران وغير ذلك، فالمسلسل لا يعدو عن قصص وحكايا قد توجد في أي مجتمع آخر، وما الإشارة إلى مجتمع بعينه إلا في سبيل الإيهام في المصداقية الفنية – الصدق الفني- وإعطاء هوية ما للعمل.. انزلق مسلسل (دقيقة صمت) عندما ذهب باتجاه التوليف والخزعبلات التي لا تُقنع حتى تلاميذ رياض الأطفال مع أن الحلول الدرامية كان من السهل إيجادها وهي مُقنعة أكثر بعشرات المرات من هذه التوليفات.

جميع الحقوق محفوظة لقناة العالم سورية 2019