أشار موقع "آكسيوس" في تقرير نشره يوم الخميس الـ18 من نيسان، أي عشية التصويت على مسودة القرار الجزائري، إلى أن واشنطن مارست في غضون الأسبوع الفاصل ما بين التصويت الأول والثاني ضغوطا كبيرة على الرئيس محمود عباس للتراجع عن طلب العضوية، أو تأجيله على أقل تقدير، والضغوط إياها مورست أيضاً، وفق المصدر السابق عينه، على العديد من الدول الممثلة بمجلس الأمن، وخصوصاً منها فرنسا وسويسرا واليابان وكوريا الجنوبية والإكوادور التي كانت مواقفها أميل للتردد، أو هي تجري حسابات تتعلق بالموقف الأميركي منها في حال عارضت هذا الأخير، ويضيف التقرير أن الضغوط فشلت في تحقيق مراميها فلا الرئيس عباس استجاب بالتراجع عن الطلب، ولا الدول "المترددة" رجحت لديها حسابات "العواقب" تلك التي ستترتب على مضيها في قرارها المؤيد لحصول فلسطين على العضوية الكاملة، وعليه فقد جاءت نتيجة التصويت الثاني بواقع 12 مؤيداً واثنان ممتنعان عن التصويت، هما بريطانيا وسويسرا، ومعارضة صوت واحد هو الولايات المتحدة التي استخدمت حق النقض "فيتو"، وفي أول تعليق أميركي على نتيجة التصويت عاد نائب السفيرة الأميركية بالأمم المتحدة "روبرت وود" وكرر ما قاله في أعقاب التصويت الأول، في الـ 11من نيسان، من أن هذا التصويت "لا يعكس معارضة الولايات المتحدة للدولة الفلسطينية، بل هو اعتراف بأنه لا يمكن لها أن تنشأ إلا عبر مفاوضات مباشرة بين الطرفين المعنيين".
كانت الضغوط الأميركية التي ترمي إلى سحب التصويت على عضوية فلسطين، أو تأجيله، تتحسب لعدم ترسيخ الخريطة السياسية التي أفرزها التصويت الأول، الذي ظهرت فيه وحيدة، وتتحسب أكثر، في ظل استمرار سيلان الدم في غزة، لجلب انتقادات حادة لإدارة الرئيس الأميركي "جو بايدن" إن هي اضطرت لاستخدام حق النقض، وتلك الانتقادات سوف يتسع مداها الضارب في المستويين الداخلي والخارجـي ليطول حزب هذا الأخير الديمقراطـي، بـل وليطـول دائرة مؤيديه حتى الضيقة منها.
من شأن "فيتو" واشنطن الثاني، في غضون أسبوع، ضد نيل فلسطين درجة العضوية الكاملة بالأمم المتحدة أن يزيد من حال انعدام الثقة القائم أصلاً ما بين السلطة الفلسطينية وإدارة جو بايدن التي ما انفكت تعلن عن تأييدها لحل الدولتين، الأمر الذي تصاعدت نبرته ما بعد عملية "طوفان الأقصى" بغزة، لكن التأييد ظل إعلامياً ولم يصمد عند أي من الاختبارين الحاصلين في غضون شهر نيسان الجاري، أما ذريعته القائلة إن ولادة دولة فلسطينية يجب أن تكون نتيجة لـ"مفاوضات مباشرة بين طرفي الصراع"، فهي الأخرى لا تصمد أمام الوقائع، فماذا فعلت عقود ثلاثة، زائدة بسنة، من التفاوض؟ ألم يكن ذلك التفاوض وسيلة لاحتواء «الطموحات» الفلسطينية التي كان يراد لسقوفها أن تنخفض بمرور الوقت الذي كان يحمل معه المزيد من التفسخات على المستويين الداخلي الفلسطيني وكذا في المحيط؟ ثم ألم يكن الموقف الأميركي منزاحاً تماماً لـ "الهرطقات" التي كانت تخرج بها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ 1993 حتى اليوم؟ ألم تسعَ الولايات المتحدة، زمن الرئيس السابق دونالد ترامب، لإنجاز "صفقة القرن"، التي يمكن الجزم، بناء على ما تكشف منها، أنها لم تكن أكثر من "بازار" تعرض فيه القضية الفلسطينية لتخمين "سعرها" ومن ثم بيعها علناً بإمضاء أصحابها الشرعيين؟
عقد "المجلس الوطني الفلسطيني" بالجزائر العاصمة دورته الـ 19 يوم الـ15 من تشرين الثاني 1988، وفيها جرى الإعلان عن وثيقة استقلال دولة فلسطين التي رفضتها الولايات المتحدة على الفور، بل ومنعت رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، من السفر إلى "نيويورك" لمخاطبة أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص الوثيقة، وفي خطوة غير مسبوقة قررت نقل الاجتماع إلى جنيف الذي حصل يوم الـ 14 من كانون الأول 1988، وفيه عبّرت 150 دولة عن ترحيبها بالقرارات التي اتخذها "المجلس الوطني الفلسطيني" في دورته الأخيرة، ودعا "المرحبون" إلى عقد مؤتمر دولي للسلام بخصوص القضية الفلسطينية، وهو المؤتمر الذي لم يعقد إلا في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي وبعد حرب "تحرير الكويت"، وهما المحطتان اللتان كانتا ذات تأثير كبير على مؤتمر "مدريد للسلام" عام 1991، وما جرى هو أن الولايات المتحدة لم تكن بعد "مدريد" خلافاً لما كانت قبله، على الرغم من أن دول المنطقة مجتمعة كانت قد أعلنت عشية مؤتمر "مدريد"، وفيه، أنها ترى في "السلام خياراً استراتيجياً" لها وسبيلاً لنيل حقوقها المغتصبة من كيان ما انفكت الولايات المتحدة ترمي بعباءتها عليه، لكن السؤال هو إلى متى تستطيع، تلك العباءة، القيام بتلك المهمة في ظل متغيرات عالمية راحت تتبلور فيها أوزان المؤيدين لقيام الدولة الفلسطينية، وترجح كفتهم شيئاً فشيئاً؟ بل إن فعل التبلور نفسه أصاب شرائح أميركية وازنة باتت تتهدد الدور الذي تقوم به لجنة الشؤون العامة الأميركية - "الإسرائيلية"، "أيباك"، في إسناد واشنطن لـ "إسرائيل".
كاتب سوري
المصدر: الوطن