إن فخرنا واعتزازنا بالشهيد لا يعادله أي فخر في الدنيا، فالشهيد وإن رحل بجسده فإنه سيظل خالداً في ذاكرة وطنه وشعبه.
في السادس من أيار عام 1916، علق السفاح التركي جمال باشا رقاب الأحرار من نخبة المثقفين والسياسيين السوريين والعرب في دمشق وبيروت على أعواد المشانق، ولكنه لم يتمكن من أن يطفئ حمية هذا الشعب وشعلته الملتهبة، فإذا به ينتفض في كل مكان مطلقاً صرخة الحرية، وما هي إلا أشهر معدودة حتى أطيح بالمستعمر العثماني.
وما يحصل حالياً على الأرض السورية ما هو إلا انعكاس للماضي، فمنذ ثلاث عشرة سنة حتى اليوم انضمت ومازالت تنضم قوافل من الشهداء إلى قافلة السادس من أيار في سبيل سيادة الوطن وتحريره من دنس الإرهابيين، حيث سطر الجيش العربي السوري ومازال يسطر بعزيمته وقوته وعقيدته أروع ملاحم البطولة والمجد والإباء والتضحية والشجاعة والثبات على الموقف والإصرار على المبادئ العليا.
إن ارتقاء الشهيد كما الفن إبداع وعبقرية، فالشهيد في ممارسته لفن الشهادة أعظم فنان، لأنه يبدع صور استشهاده في الشكل الفني الرائع، متجاوزاً التسميات البدهية ليسمو فوق أبعاد الحروف ورموز الألوان وزوايا المساحات الضوئية، فهو الذي يعتلي قبة السماء مقيماً فيها دائماً، وهذه القبة لا يصل إليها إلا النخبة المختارة من خلق الله.
وكان السعي من الفنانين محاولة التقاط مفردات الحرب والشهادة لإعادة تقديمها ضمن أعمال فنية تترجم اللحظة بحميميتها وعمق صدقها وتفاعل الناس بها والتفافهم حولها، فكان المزج ما بين الخط السياسي والنضالي والخط الإنساني الصفة شبه العامة للأعمال الدرامية المقدمة.
الدراما السورية خلدت الشهداء ورصدت بطولاتهم من خلال العديد من المسلسلات نذكر تفاصيل بعضها في السطور التالية:
قصف البرلمان
حمل مسلسل "تاج" الذي عرض خلال رمضان المنصرم مشاهد عدة لبطولات شهداء الجيش العربي السوري وعناصر الشرطة الذين ارتقوا على أيدي المحتل الفرنسي، ولعل المشهد الأكثر إيلاماً كان مشهد قصف البرلمان.
ففي عام 1945 رفضت حامية البرلمان أداء التحية للعلم الفرنسي أثناء إنزاله من على ساريته في دار الأركان الفرنسية التي تقع في مقابل مبنى المجلس، فاتخذ الفرنسيون ذلك ذريعة لمهاجمة البرلمان، مستخدمين قوات السنغال المزودة بالأسلحة الفتاكة من مدافع هاون ورشاشات كبيرة وصغيرة ودبابات ومصفحات، ما أسفر عن استشهاد 28 بطلاً ظلوا صامدين حتى فرغت ذخيرتهم.
العمل من تأليف عمر أبو سعدة وإخراج سامر البرقاوي، وبطولة تيم حسن وبسام كوسا وفايا يونان ونورا رحال وكفاح الخوص وأندريه سكاف ونتاشا شوفاني وسوسن أبو عفار وموفق الأحمد وجوزيف بونصار وباسل حيدر وإيهاب شعبان وآخرين.
إخوة التراب
من المؤكد أن "إخوة التراب" واكب عذابات الشعب السوري على يد المحتل العثماني الذي تفنن في القتل والتنكيل والظلم والاستبداد، كما رصد استشهاد السوريين دفاعاً عن وطنهم في سبيل تحريره من الاحتلال.
العمل تاريخي ملحمي يعرض أحداث بداية القرن الماضي، ويروي قصة الثورة العربية في سورية التي اندلعت في وجه الاحتلال العثماني بعد أن رزحت البلاد تحت حكمه أربعة قرون من الزمان.
يتناول الجزء الأول منه نهاية الدولة العثمانية والحرب الأولى إلى دخول الجيش العربي دمشق، على حين يعرض الجزء الثاني منه تطور الأحداث منذ دخول الجيش العربي سورية عام 1918 حتى قدوم الاستعمار الفرنسي عام 1920 ونهاية ثورتي إبراهيم هنانو وصالح العلي ضد الفرنسيين، وهو قصة وحوار حسن م يوسف وإخراج نجدة أنزور.
وواضح أن هدف المسلسل هو استعراض هذه الحقبة التاريخية من النضال ضد العثمانيين ثم الفرنسيين وعرض الثورة العربية، ومواقف الحلفاء والدولة العثمانية من العرب.
ووفقاً للعمل فإن الخازوق كان اختراعاً مسجلاً باسم الأتراك، حيث كان يدق بأسفل المقاومين حتى يخرج من كتفهم وربما رأسهم.
أدى أدوار البطولة في هذا العمل كل من: أيمن زيدان زهير عبد الكريم وسوزان نجم الدين وفايز أبو دان وجهاد عبدو وبسام لطفي وليلى جبر إضافة إلى آخرين.
مقاومة الظلم
خلال رمضان عام 1995، ظهرت شخصية البطل "نصار" الذي يقاوم الظلم، ويقارع من يمثله (الاحتلال العثماني) حتى ينال الشهادة بعد مسيرة طويلة من المقاومة إلى جانب رفاقه من شتى الطوائف والحارات.
كل ذلك كان في المسلسل الشامي "الخوالي" الذي ألفه أحمد حامد وأخرجه بسام الملا وأدى أدوار البطولة فيه بسام كوسا وأمل عرفة وصباح الجزائري وهالة شوكت وسليم صبري وسليم كلاس وعلي كريم وعبد الرحمن آل ـرشي وحسام الشاه وناجي جبر وفادي الشامي وأيمن رضا ورامز عطا اللـه وعصام عبجي وآخرون.
تمثيليات درامية
كما تحضرنا في هذه المناسبة تمثيلية "العريس"عام 1975 من تأليف خالد حمدي وإخراج شكيب غنام، ويدور محور الحكاية حول شاب يستعد لحفل الزفاف، وفي هذه الأثناء يدعوه الواجب الوطني فيلبي النداء، ويستشهد في المعركة.
ومن الأعمال الدرامية التي صنعت عن الشهادة تمثيلية "شجرة الورد" تأليف وإخراج محمد الطيب، وقد عرضت عام 1981.
وتميزت تمثيلية "الولادة الجديدة" عام 1985 التي أخرجها غسان باخوس بتوثيق ذاكرة بصرية لافتة في تعاطيها مع تلك الروح الأصيلة للجندي السوري بعشقه للشهادة.
المصدر: الوطن