عدم ضياع القارئ وتشتته، عملية أشبه بالنحت، أو النجارة، فعندما يصوغ النجار بالخشب شكلاً معيناً، يتلخص عمله بالاختزال، والتخلص من الأخشاب الزائدة عن تصميمه، إلا أن الواقع غير مشجع على مزاولة الكتابة، كما أن المسابقات والمهرجانات، لا تدفع الكاتب للاستمرار، والدليل أنه لم نرَ جائزة مثلاً تتضمن نشر كتيب لكاتبٍ ناشئ، ولا مبلغاً مالياً مهماً يمكّنه من طباعة كتابه، ولا دور نشر تتبنى تسويق الكتاب والإعلان عنه، كما لو كانت الكتابة ترف فائض لا طائل منه، ومع ذلك ما زال بعضنا يتحيّن الوقت والفرص لممارسة هذه "النزوة" والمتعة والحرفة، ويختلس لها وقتا يفضي بها بأفكاره الخطرة على الورق، نعم غالباً ما تكون هذه الأفكار مهمة وخطيرة حتى تشكّل الدافع والمحرّض الملح لهذا العمل.
هذه حكايتي
شرطها الأساسي كتابة قصة واقعية، ومنذ إطلاقها تحت مسمى مؤسسة (وثيقة وطن) وجائزتها السنوية بعنوان "هذي حكايتي"، بات التوجه لهذا النوع الأدبي مطلوباً، وإذا كانت القصة المتخيلة أو المفترضة صعبة الكتابة فتشكّل القصة الواقعية أو الحقيقية تحدّياً أكبر للكاتب، لوجود أحداث وشخصيات عليه الالتزام بها، والسؤال هنا .. أين يكمن الإبداع؟ وكيف سيتمكن الكاتب من فرد عضلاته وموهبته، بتخير الحبكة، بتخير أزمنة مناسبة في القصة وتقديمها وتأخيرها كونه يعرف عن القصة ما لا يعرفه القارئ، بأن يجد في قصة حقيقية تفصيلاً جميلاً وفريداً ليقتصه ويعمل عليه فيكون حبكته، ومن خلال تخير موضوع القص، بأن يختار من الواقع شخصية أو حدث ويعتقد أنه مناسب ليكون قصته..
نمط مختلف
عملية الكتابة هنا مختلفة، تقوم على الانتقاء والتفضيل والاختيار والإبراز والتقديم والتأخير والاختزال، حيث أن أغلب القصص والروايات العالمية التي لاقت نجاحاً وانتشاراً، كانت القصص التي حدثت في الحقيقة، أو التي تستند إلى أحداث واقعية، والذي يفسره هو ميل الناس واعتقادهم بأن على القصة أن تكون حدثاً حقيقياً، ومثال ذلك ما قدمه الكاتب الكبير "غابرييل غاريسا ماركيز" باثنين من رواياته المهمة تستند إلى قصة حقيقية إذا أردنا نموذجاً للقص الواقعي وتأثيره واختلافه عن المؤلف أو الروائي، وهي: " خبر اختطاف"، و قصة "موت معلن"، وهذا يثبت أن الواقع مادة غنية لأي كاتب للرواية .
هي أمر ملح، لا بل ومشترك بين جميع الكتّاب، وتثقل كواهلهم، حتى أنهم يمنحونها حقها من الوقت والجهد لتصبح على الورق بشكلٍ كامل ومقنع، وان أدركوا مسبقاً أن لا أحد سيقرأها!
لتبقى الحقيقة المرة هو أننا بدأنا نفتقد للرواية السورية الجيدة، مع غيابها حالياً، هو أمر خطير.. لكون القص يوثق تفاصيل البلد وثقافتها، وما نحتاجه اليوم هو أن نقرأ عن أماكن نعرفها وعن شخصيات تتحدى ظروفنا نحن، على أمل أن نرى تشجيع على الكتابة، وتشجيع للكتّاب الجدد.
المصدر: صحيفة تشرين