وبدأ الاستاذ غسان كلاس بالحديث حول السيرة الذاتية التي كتبها الأديب حقي والتي حملت اسم "الشجرة التي غرستها أمي" بالقول: في سيرته الذاتية التي أسماها "الشجرة التي غرستها أمي" وهذا الكتاب وكما يقول بديع هو أحب مؤلفاتي إلى نفسي وأقربها إلى حنايا قلبي ومنازعه، لأنه منوط موضول بذكرى أمي مستجلياً ملامحها، مصوراً طبعها، نافضاً خيوطاً من سيرتها، المواكبة لمنبلج طفولتي وعفرة صباي من دون أي تزويق أو تزيد في الوصف والتحليل. يسرد أديبنا الراحل مذكراته التي تلقي أضولءً على نصف قرن من تاريخ دمشق وتبدو فيها ببيوتها العريقة وغوطتها الغناء وبرداها الخالد وعلاقات أهلها وناسها وسكانها. يسحرك بديع حقي بأسلوبه الماتع وكلماته المنتقاة وجمله التي تحاكي الشعر عذوبة وأناقة، يتحدث عن العنادل وطيور اليمام وأشجار النارنج والكباد والرمان والجوز وغيرها وأزاهير الشمشير والشاب الظريف، ويصف ببراعةمشهودة حارات دمشق وأزقتها ودورها ودهاليزها، ويروي مااختزنته ذاكرته من قصص وحكايات عن هذه المعالم وشموخها وعنفوانها من خلال دخوله الكتّاب واحتفال ختم القرآن وحلقات المولوية وأغنيات سيد درويش... يصل عبر سيرته الماضي بالحاضر والجهود المبذولة للحفاظ على (سوق ساروجة) الحي الدمشقي العريق، استانبول الصغيرة، الذي زاره بعد أن اضطر لبيع بيت العائلة الكائن فيه غير مرة يعتصر فؤاده الأسى مشفقاً ومتسائلاً: ماذا أبقى الشارع الجديد من معالم الدار القديمة.
ثم تحدثت د.أماني محمد ناصر حول قراءة في قصص بديع حقي ومضمونها فقالت: تميز بديع حقي بأسلوبه الخاص عن غيره من الأدباء والشعراء، إذ اعتمد الدقة في اختيار مفرداته المتناغمة وماأراد من عباراته، فأبدع في الوصف والتصوير بتناغم موسيقي يفيض عذوبة تأسر الإحساس، وتتسامى شاعرية في فضاء الخيال بموسيقا عذبة وشعور فيه الكثير من الأحاسيس، إنه من ذلك الجيل الذي اكتنز الأدب والصورة المنقوشة في الذاكرة، ومن ثم ساح في دروب الحياة والاختصاص والعمل، وكان مخلصاً لكل حياته، وقد اعتمد على الحوار بين شخوص قصصه لإيصال فكرة معينة للقارئ، وتنوعت حواراته بين السخرية والكوميديا والألم الذي تجلى في قصته "التراب الحزين"، نلاحظ أن الأمكنة في قصص بديع حقي تنوعت جداً فهو يجول بنا في دمشق من خلال قصة اللص والعكازة، أما اللغة فهي من أهم ميادين الإبداع القصصي وأصعبها، وإن مما يضعف القصة طغيان لغة كاتبها على لغة شخصياتها.
وتناول الاستاذ أيمن الحسن الحديث عن فلسطينيات بديع حقي حيث قال: بدءاً من العنوان المعبّر "التراب الحزين" والحزين هنا ليست مبالغة اسن فاعل على وزن فعيل، بل هي صفة مشبهة تعني استمرار الحالة مثلما نقول عن شخص إنه كريم، فهذه صفة ملاصقة له فهو طوال عمره مريم، في التعبير (هذه قصص كتبت في فترات متباعدة ودونت في هذا الكتاب لتهب لوناً أردت له أن يمنح من الواقع المرير فينفضه ويمهد السبيل بعد هذا إلى وصف حياة أفضل، يورد د.بديع حقي قصيدة مقدمة لقضية يوميات خيمة التي يبدأ تاريخها ف ١٦/5/1948 أي اليوم التالي لإعلان دولة الاغتصاب الصهيون في فلسطين.
وفي المحور الأخير ختم د.اسماعيل مروة بالحديث عن موسيقية الكلمة في روايات بديع حقي فقال: في همسات العكازة المسكينةيبتدئ الأديب روايته بتمهيد بسيط يخبر فيه القارئ أن روايته تعتمد على أحداث واقعيه عايشها بنفسه، ولم يضف إليها إلا ماتقتضي أمور الرواية من تنميق وتزويق، وهو بهذه الطريقة أضفى مزيجاً من التشويق، والترقب لقراءة الرواية بكثير من الفضول، ويبدو الأديب في روايته منغمساً بآلام الطبقة المسحوقة ومعاناتها، وشقائها وأحزانها من عمال وفلاحين وعميان وعاهرات.
تعاطف معهم ولم يحكم عليهم، اعتبر أن الظالم في روايته هو نتاج المجتمع، فالتمس العذر له، وهو إذ يجعل العكازة بطلاً رئيسياً عاصرت حمود، وكبرت معه، وعايشت جميع تفاصيل حياته التعيسة، بدءاً من اللحظة التي فقد فيها نور عينيه نتيجة خطأ طبي ارتكبه حلاق الحي أبو صطيف، وحتى اللحظة التي ارتكبت فيها جريمة الشرف بحق أخته.