وتساءل هل اتفقوا على "كيف" يمكنُ لهم الوصول إليه (الاتفاق)، وأين هي "نقطة البدء" في محاولة كل ذلك، و"من" هي فواعله، وأي "خارطة طريق" ممكنة بهذا الخصوص؟
كما تحدث عن الصدمة الفائقة التي سببتها الحرب لدى السوريين، وظهر أن إرادة العيش في فضاء اجتماعي ومجتمع واحد كانت –في جوانب كبيرة منها – وهماً أو ادّعاءً أو ربما نفاقاً، وأنَّ فواعل كثيرة في الاجتماع والسياسة والفكر كانت تنتظر لحظة أو فرصة سانحة لـ "الانقضاض" ليس على السلطة أو النظام السياسي والدولة، وإنما على المجتمع أيضاً.
ومما يحتاجه السوريون اليوم، هو التفكير في وضع "خطة استجابة" نشطة وفعالة، تُوقِف تدهور "القيم المشتركة"، وتزايُد الفجوة في مداركهم وتطلعاتهم حول طبيعة المجتمع والدولة، ما يهدد فكرة "مجتمع واحد" و"دولة واحدة"، والفجوات أو الصدوع في مداركهم حول التعدد الاجتماعي: الديني والثقافي والعرقي واللغوي والجهوي/المناطقي والطبقي وحتى الجندري.
كما يحتاج السوريون إلى سياسات تُوقف: تدهوُرَ قيمة الحياة ومؤشراتها الأساسية، وقيمة الإنسان الذي أصبح "بلا معنى" تقريباً، وتدهوُرَ قيم "الوطن" والانتماء له، وتزايد الخوف والاغتراب والتخلي، وتراجع الثقة بالمستقبل. وقد أخذ الموتُ يمثل ظاهرة "أقل من عادية" لديهم، وليس "عملاً شاقاً"!
اكتشف السوريون أن "الحياة ممكنة" في ظل الحرب، كما أن الحرب "خلَّاقة" و"ولودة"، ويمكن لها أن تمثل فرصة مثلما تمثل تهديداً، وأن لديهم احتياجات وتطلعات متناقضة حيال الدولة، مثل: الشعور بالحاجة لوجود دولة قوية - دولة ضعيفة في آن، دولة مركزية - دولة لا مركزية، الدفاع عن الدولة - اغتنام الدولة في آن أيضاً.
يحتاج السوريون اليوم لـ التمسك بالبديهيات أو ما يجب أن يقوم مقام البديهيات مثل: أولوية الدولة زمن الحرب، وأولوية المجتمع زمن السلم؛ وصحة القضية، وصحة الموقف؛ وقوة الحق التي لا تُبطِلُها قوة العدو؛ وخوض حرب المعنى، والوقوف في وجه سيل الهزيمة الجارف، ومقاومة الانكسار، ورفض الارتماء في أحضان الخصوم –وحتى الحلفاء– وتمثّل إراداتهم ورهاناتهم، واحتواء ما يُهدد بتدمير كل شيء تقريباً، وعناوينه هي: الحرب المذهبية والطائفية، والهيمنة الأمريكية، وعماء الليبرالية، وعماء النفط، والعماء الديني والطائفي، إلخ.
يحتاج السوريون اليوم إلى "إعادة التفكير" في كل شيء تقريباً، مما يتصل بالهوية والشخصية الوطنية، والتاريخ، والدين، والاجتماع، إلخ، ووعي أسباب "تآكل" المشروع الوطني والحضاري، و"تراجع" مشروع الدولة طوال قرن تقريباً على ولادتها أو تأسيسها الحديث، ووعي أسباب الهزيمة المتكررة أمام مشاريع الهيمنة الغربية والمشروع الصهيوني، وتصاعد المشروع الإسلاموي (الإخواني، الوهابي)، وبروز المشروعين التركي والإيراني، وإخفاق المشروع العربي أو السوري أو المشرقي، إن أمكن التعبير.
لعلّ أكثر اللحظات صعوبة هي أكثرها خصوبة، إذ تتفتح الأسئلة والممكنات، وتتغير حدود وشروط التفكير، وأنماط الاستجابة للتحديات، وهذا ما يفترض أن يحدث للسوريين بعد صدمة اندلاع الحرب، وبعد مضي سنوات عليها؛ لكن المفارقة أن هذا لا يحدث أو أنه لم يحدث حتى الآن، أو أنّ "ما حدث" لم يكن على مستوى التحدي.
إن السؤال عما يحتاجه السوريون اليوم، ربما انفتح أو فتح على مفردات وموضوعات هي أسئلة أكثر منها إجابات، وقد لا يُطلب من السؤال أكثر من ذلك، أي أن يولّد المفارقات، ويكشف عن الالتباسات، ويشرّع للمزيد من الأسئلة، وحسب هذه الورقة أنها حاولت ذلك!
تتألف الدراسة من مقدمة وستة محاور، أولاً- في الرؤية والمقاربة، ثانياً- وَعيُ اللّحظة، ثالثاً- الحياة ممكنة في ظل الحرب! رابعاً- الوضوح والصدق والتناقض، خامساً- الحق وقوته، سادساً- أعراض "فوق مَرَضية"، وأخيراً خاتمة.
مركز دمشق للأبحاث والدراسات مداد - الدكتور عقيل سعيد محفوض