إذ تشير بيانات المجموعة الإحصائية المذكورة أعلاه، والصادرة مؤخراً عن المكتب المركزي للإحصاء، إلى أن عدد المشتغلين في سورية حتى نهاية عام 2018 وصل إلى نحو 3.737 ملايين شخص، وذلك باستثناء ثلاث محافظات هي: دير الزور، الرقة، إدلب، إضافة إلى ريف حلب. في حين أنَّ عدد المتعطلين عن العمل بلغ نحو 1.621 مليون شخص، وبذلك يكون حجم قوة العمل في سورية بنهاية عام 2018 نحو 5.358 ملايين شخص. وبحسب ما هو منشور، فإنَّ تلك البيانات اعتمدت على نتائج مسح قوة العمل لعام 2018.
مجرد محاولة تتبع منحى سوق العمل طوال سنوات الحرب وفق ما هو منشور رسمياً من بيانات، سيقودنا إلى حقل من الألغاز. يحتاج حلُّ كلِّ لغزٍ فيها إلى التعرف على الظروف المحيطة بإنتاج كل رقم إحصائي منشور، الأمر الذي يتطلب من المكتب المركزيّ للإحصاء تقديم إجابات عن التساؤلات المثارة على هامش نتائج عملية مقارنة بيانات سوق العمل في عام 2018 مع بيانات عام 2015 والمنشورة في المجموعة الإحصائية نفسها.
انقلاب جذري!
ومن بين نتائج تلك المقارنة ما يأتي:
- ارتفاع حجم قوة العمل في عام 2018 إلى نحو 300 ألف شخص مقارنة بحجم قوة العمل المقدرة في عام 2015، رغم أن حجم قوة العمل تراجع في عام 2016 إلى نحو 59 ألف شخص قادر على العمل، ثم عاد حجم قوة العمل ليرتفع في عام 2017 إلى نحو 35 ألف شخص مقارنة بالعام 2015.. فما هي المتغيرات التي جعلت قوة العمل تتغير بين عام وآخر؟ هل ذلك نتيجة موجات الهجرة التي نشطت طوال تلك السنوات ومن ثم عودة بعض اللاجئين إلى البلاد؟
- زيادة عدد المشتغلين في عام 2018 نحو 1.126 مليون شخص، منهم نحو 821 ألفاً ذكوراً و305 آلاف إناثاً، فهل هذه هي فرص عمل متحققة فعلاً طوال السنوات الممتدة بين العامين المذكورين؟ بالعودة إلى مقارنة بيانات المُشتغلين في القطاعين الحكومي والخاص في عامي 2018 و2015 يتبين لنا أنَّ هناك زيادة في عدد المشتغلين في القِطاع الحكوميّ تبلغ نحو 354 ألف مشتغل، وفي القطاع الخاص نحو 745 ألف مشتغل. هذا إضافة إلى المشتغلين في القطاع التعاوني والمشترك!
علماً أنَّ المحافظات غير المشمولة بالتقديرات هي نفسها، مع خروج ريف حلب من تقديرات العام 2018، وهذا دون شك ليس مؤثراً إلى الدرجة التي تقلب البيانات رأساً على عقب.
- انخفاض عدد المتعطلين عن العمل في عام 2018 إلى نحو 825 ألف شخص، منهم 531 ألفاً ذكوراً، و294 ألفاً إناثاً... وبهذا انخفض معدل البطالة من نحو 48.4% عام 2015 وفق بيانات المجموعة إلى نحو 30.3% في العام 2018!
هذا، وبمقارنة التغيير الحاصل في عدد المشتغلين والمتعطلين، يمكن استنتاج أنّه طوال السنوات الثلاث التالية لعام 2015–إضافةً إلى تخفيض عدد المتعطلين نحو 825 ألف شخص– تم توفيرُ فرص عمل لنحو 300 ألف شخص، وهو عدد الداخلين حديثاً لسوق العمل بين عامي 2015 و2018... أي كل الداخلين لسوق العمل وجدوا فرصة عمل!
فهل هذا الانخفاض الكبير هو نتيجة توافر عمل للمتعطلين؟ أم أنَّ هناك أسباباً أخرى نجهلها؟
مشكلة أخرى!
ومن بين الملاحظات الهامة التي يمكن أن تستوقف القارئ في ما يتعلّق ببيانات قوة العمل أنَّ عدد العاملين في وزارات الدولة تراجع إلى نحو 50.8 ألف عامل، ففي عام 2018 وصل عدد العاملين في وزارات الدولة إلى نحو 928 ألف عامل، أما في العام 2015 فقد كان عدد العاملين نحو 979 ألف عامل.. فهل عدد فرص العمل التي وفرتها الحكومة طوال السنوات الثلاث الماضية كان أقل من حجم التسرب والفاقد الذي تعرضت له وزارات الدولة ومؤسساتها بفعل ترك العمل والاستقالة والتقاعد طوال سنوات الحرب؟ أم أنَّ هناك مشكلة ما في إحصاء عدد العاملين في وزارات الدولة؟
لكن المشكلة لا تقف عند إجماليِّ عدد العاملين في وزارات الدولة، والمستثنى منها العاملون في رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء ووزارة الدفاع في العام 2015 والعاملون في رئاسة الجمهورية ووزارة الدفاع في العام 2018، وإنما في التغييرات الحاصلة على عدد العاملين في كل وزارة بين العامين المذكورين. فبوساطة عملية المقارنة سنكون أمام الحقائق الآتية:
- معظم وزارات الدولة شهدت في عام 2018 تراجعاً في عدد عامليها مقارنة بعام 2015، واللافت أن الوزارات التي سجلت وفق بيانات المجموعة الإحصائية أعلى نسبة تراجع هي وزارات أساسية ومحورية في مواجهة تداعيات الحرب وتقع على عاتقها مهام كبيرة. فقد جاءت وزارة التربية أولاً بتناقص قدره 42 ألف عامل، ثم وزارة الصحة بنحو 16.6 ألف عامل، فوزارة الداخلية بنحو 11.6 ألف عامل، ووزارة الصناعة في المرتبة الرابعة بتناقص قدره11.3 ألف عامل، وخامساً كانت وزارة الموارد المائية بنحو 10.3 آلاف عامل.
- ثلاث وزارات فقط سجلت زيادة في عدد عامليها طوال هذا الأمد المذكور هي: الثقافة بزيادة قدرها 3437 عاملاً، فوزارة العدل 1189 عاملاً، ووزارة الإعلام 288 عاملاً. إضافة إلى مجلس الشعب 88 عاملاً، وخانة جهات أخرى 2168.
- وزارتان فقط لم تكن لهما بيانات في العام 2015 في ما يتعلق بعدد العاملين. وزارة الخارجية والمغتربين التي بلغ عدد عامليها في العام 2018 نحو 736 عاملاً، ووزارة التنمية الإدارية التي بلغ عدد عامليها في العام نفسه نحو 141 عاملاً.
- وفق الهامش المرافق لبيانات عام 2015، ثمة إشارة إلى أنَّ بيانات وزارتي الصحة والثقافة تعود لعام 2013 بحجة عدم اكتمال البيانات، يعني "فوق الموت عصّة القبر".
ماذا لو...؟
دون شك، هناك مشكلة في بيانات قوة العمل المنشورة في المجموعة الإحصائية لعام 2019، وكان يفترض بالمكتب المركزيّ للإحصاء أن يُصدر توضيحات كافية في ما لو كان هناك أي تصحيح في بيانات أي عام ولسبب من الأسباب، لا أن يترك الغموض والشك يحيطان بموضوعية البيانات الصادرة، خاصة وأن المجموعة الإحصائية تمثل مرجعاً تاريخياً للباحثين الاقتصاديين والأكاديميين والطلاب في دراساتهم وأبحاثهم. والأخطر هل هذه البيانات قدمت للحكومة لتبني عليها سياساتها الاقتصادية والاجتماعية؟ وهل مسودة برنامج سورية ما بعد الحرب المعدّة من قبل هيئة تخطيط الدولة اعتُمد فيها أيضاً على هذه البيانات؟
وتأكيداً على مسؤولية المكتب المركزي للإحصاء المباشرة عن هذه الألغاز والبيانات الغامضة، فإن دليل عمل الحكومة منذ تسلمها مهامها إلى نهاية عام 2019 لم يتضمن أي ذكر لمثل هذه البيانات سواء لجهة عدد فرص العمل المتحققة في القطاعين العام والخاص أو لجهة معدل البطالة...!
الفارق في عدد العاملين لدى الجهات العامة بين عامي 2013 و2018 بناءً على بيانات المجموعة الإحصائية:
الجهة
|
عامل
|
مجلس الشعب
|
+88
|
الاقتصاد والتجارة الخارجية
|
-160
|
المالية
|
-1295
|
الصناعة
|
-11383
|
النفط والثروة المعدنية
|
-7089
|
الكهرباء
|
-3761
|
الزراعة والإصلاح الزراعي
|
-5341
|
الاتصالات والتقانة
|
-7465
|
النقل
|
-6471
|
الداخلية
|
-11602
|
التعليم العالي
|
-2578
|
التربية
|
-42012
|
الثقافة
|
+3437
|
الإعلام
|
+288
|
الصحة
|
-16674
|
السياحة
|
-77
|
الموارد المائية
|
-10356
|
الإدارة المحلية
|
-3488
|
العدل
|
+1189
|
الشؤون الاجتماعية والعمل
|
-1023
|
الأوقاف
|
-1698
|
الإسكان والأشغال العامة
|
-6156
|
وزارة التجارة الداخلية
|
-7486
|
التنمية الإدارية
|
141
|
الخارجية والمغتربين
|
736
|
جهات أخرى
|
+2168
|
زياد غصن