مضي عام ونصف العالم من ولاية عهد ابن سلمان تكشف عن انه اما يفتقر الى الحنكة السياسية او انه يؤمن جزما بأن ديمومية النظام السعودي رهن بخلق الازمات.
مع وصول
ابن سلمان الى سدة الحكم والبدء بما وصفها بالاصلاحات في النظام السعودي ، وصل غالبية المحللين الى نتيجة مفادها ان تسرع ولي العهد السعودي الغر في ادارة المملكة ليس لن يحقق اي انجاز لآل سعود فحسب بل انه يسرع وتيرة انهياره. الامير الغر تحدث خلال الاشهر الاولى لولاية عهده عن القيام باصلاحات، وبدا خطوته هذه بمنح بعض الحريات الصورية ورفع الحظر عن الحقوق الطبيعية المعترف بها دوليا (والتي تم تعطيلها في السعودية ) مثل حق القيادة للمراة. ومن ثم تابع هذا المخطط عبر رفع شعار مكافحة الفساد بين الامراء السعوديين. وفي هذ الاطار قام باعتقال بعض الامراء وبالطبع اطلق سراحهم في مقابل حصوله على مبالغ مالية باهظة، ليثبت للجميع بان الفساد الممنهج في السعودية يمكن التغاضي عنه في مقابل المال.
الثقة باصلاحات
ابن سلمان والترحيب بها سرعان ما انهار ، لان ما تحقق حقيقة في ظل شعار الاصلاحات ، هو استمرار تشديد الخناق على الحريات القانونية وسجن المعارضين وقتلهم بدل الاصلاحات. وفي هذا المجال يرى الكثير من المحللين ان عدم حنكة الامير الشاب على صعيد توفير قاعدة شعبية له بين الشباب والمضي قدما نحو علمنة المجتمع ، واجهت ولا زالت تواجه مشكلتين اساسيتين، الاولى هي ان
ابن سلمان ومن خلال فرض الاقامة الجبرية وحبس وتعذيب وقتل الشخصيات التقليدية التي توصف "حملة الدين" مثل المفتين وعلماء الدين . وفي الحقيقة ان
ابن سلمان بدا وبلا وعي بتمهيد الارضية لتدمير العقيدة السعودية المنغلقة ، وفي ظل هذه الاجراءات دفع نظام آل سعود باتجاه الهاوية. والثانية هي ان الامير الغر ومن خلال فرض املاءاته التي يصفها بالاصلاحات جعل اصحاب الفكر سواء من الاكاديميين والمفكرين المتمسكين بالاصلاحات يبتعدون عنه اكثر فاكثر . وثمرة هذين التوجهين لن تتمخض سوى عن نتيجة واحدة وهي تسريع وتيرة انهيار النظام السعودي.
ابن سلمان ومن منطلق فكرته غير الناضجة عن الاصلاحات وترقيع هذه الفكرة، اعتمد سياسة الاتكال على الخارج بدلا من الداخل، ولذلك وبغية الحصول على ضمانات بدأ جولة اوروبية وامريكية استغرقت عدة اسابيع خلال الاشهر الاولى لولاية عهده، وحاول من خلال انفاق مليارات الدولارات لشراء الاسلحة والمعدات العسكرية الحصول على ضمانة لدعم اصلاحاته المزعومة وبقائه في السلطة. حاليا وبعد تلك الزيارة المكلفة، حان الوقت لكي يطلق مشروعه الثاني على الصعيد الدولي اي مزاعم قيادته للعالم الاسلامي وفرض نفسه باعتباره "قائد العالم الاسلامي". وبناء على هذه الاستراتيجية اعتمد سياسة مزدوجة تتمثل في الصمت والهجوم في آن واحد، الصمت حيال القضايا التي تطلبها منه امريكا مثل القضية الفلسطينية ( الصمت حيال نقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس هي احدى ابرز هذه المطالب) وفي نفس الوقت التهجم على ما تهجمت عليه امريكا سابقا. المواقف المعادية التي اطلقها الامير الغر ضد ايران والتاكيد على نقل الحرب الى الداخل الايراني تصنف في هذا الاطار.
جميع هذه الامور تحدث في الوقت الذي يواجه
ابن سلمان عده قضايا معقدة لا يجد لها حلا وتهدد احلامه بشكل جاد . اولى هذه القضايا هي مسألة اليمن وفشل بن سلمان في حسم هذا الملف، ذلك الملف الذي وعد الامر الغر باغلاقه في غضون ثلاثة اسابيع ، ولكن دخل عامه الرابع وبناء على التقييمات فانه يحمل المملكة السعودية كلفة باهظة تقدر بمائتي مليون دولار يوميا . الثانية هي المطالب الامريكية المتزايدة من النظام السعودي. تلك المطالب التي يبدو انها لن تقف عند حد، واينما يظهر قصور وان كان ضئيلا في تلبيتها نرى ان عصا التهديد الامريكي تسلب الطمأنينة و الراحة من عيون بن سلمان وتثير تساؤلات عدة حول مصير حكمه . الاهانات التي كالها الرئيس الامريكي دونالد ترامب الاسبوع الماضي الى الملك سلمان وتاكيده على ان النظام السعودي عاجز عن البقاء في الحكم لاكثر من اسبوعين بدون الدعم الامريكي هو خير دليل على ذلك . واخيرا وثالثا المعارضة الداخلية ل
ابن سلمان وادارته للبلاد واصلاحاته المزعومة، تلك المعارضة التي تتواصل في مختلف المناطق السعودية ومنها المنطقة الشرقية ، وتتصاعد بين الاوساط الاكاديمية والثقافية اكثر فاكثر وبالتالي يجري تنظيرها من قبل الشريحة الدينية التقليدية و حقنها في المجتمع .
الحقيقة هي ان بن سلمان ومن خلال اصلاحاته المزعومة اثار حفيظة ومعارضة ثلاثة جهات محورية . الاولى العائلة السعودية المالكة والثانية الطبقة الدينية المتمثلة بعائلة آل الشيخ واخيرا طبقة البترودولار. لا شك ان
ابن سلمان فقد الداعم السياسي للنظام السعودي اي غالبية عائلة آل سعود ( الذي يعتقدون بغصب السلطة من قبل
ابن سلمان ) وحولهم الى معارضين له . كما ان اسرة آل الشيخ (التي تدعي اضفاء الشرعية على النظام السعودي) ترى في
ابن سلمان عدوا لعقيدتها وايدوليجيتها ولذلك فانها تحاربه. واخير مسالة النفط والدولار وكيفية انفاقها في مثل هذه الظروف حيث ان الادارة الامريكية لا تشعر بالرضا ابدا حيال اداء النظام السعودي ، الامر الذي تحول الى كابوس يقض مضجع
ابن سلمان .
يقوم
ابن سلمان حاليا ببيع حوالى 12 مليون برميل من النفط، وراكم حوالى 450 في خزينته (طبعا يتحمل عبء دين يقدر بـ 80 مليار دولار ايضا)، ولكنه رغم ذلك يشعر بقلق شيديد حيال المستقبل، ولاجل ازالة هذا القلق يسعى الى خلق ازمات ليس اليوم فقط بل في كل الاحوال ، لتاخير حلول ازمة الانهيار التي تلوح في الافق. مسالة الصحفي السعودي جمال خاشقجي واختفاءه في القنصلية السعودية بتركيا هي اخر نماذج هذه المغامرات واحدثها.