أعلنت «الدول الضامنة»، وهي تركيا وروسيا وإيران، في الجولة السادسة من اجتماعات أستانا في 14 أيلول الماضي، عن سلسلة من الإجراءات الخاصة بدعم وقف إطلاق النار والإعلان عن مناطق خفض التوتر في سوريا، على اعتبار أن تركيا تمثّل المجموعات المسلّحة، فيما تحدثت إيران وروسيا باسم الدولة السورية.
وشهدت الفترة الماضية سلسلة من التطورات المتتالية، أهمّها دخول مجموعات من القوات التركية إلى مدينة إدلب وجوارها، لإيجاد حلّ ما لأزمة عناصر «جبهة النصرة» الموجودين في المدينة، ومعظمهم من الأجانب. ويقول الروس إن هؤلاء دخلوا سوريا عبر الحدود التركية، ولن يقبلوا بعودتهم إلى بلادهم. واستغلّت القوات السورية والقوات الحليفة لها هذا الوضع، أي وقف إطلاق النار على جميع الجبهات مع كل الفصائل بما فيها «النصرة»، فكثفت عملياتها في المناطق الشرقية لتتخلّص من تنظيم «داعش» في محافظة دير الزور، وحتى على الحدود السورية مع العراق.
وجاءت قمة
سوتشي يوم الأربعاء، بعد سبع جولات من لقاءات أستانا، لتضع النقاط على الحروف في ما يتعلّق بمستقبل سوريا، وخصوصاً أن القمة حظيت بموافقة مسبقة من الرئيس السوري بشار الأسد، الذي التقى نظيره الروسي فلاديمير
بوتين في المدينة ذاتها، قبل يوم من القمة الثلاثية.
إلا أن ذلك لا يعني أن الأمور ستكون كما يروّج له الروس، أي إجراء لقاء مصالحة في
سوتشي بمشاركة كل الأطراف السورية، ومناقشة وتقرير مصير المستقبل السياسي، أي الاتفاق على دستور جديد للبلاد، وبعد ذلك إجراء انتخابات برلمانية أو رئاسية بمراقبة الأمم المتحدة.
في هذا الوقت، لم يتجاهل أحد الاعتراض التركي على دعوة حزب «الاتحاد الديموقراطي» الكردي السوري إلى المؤتمر، باعتبار أن هذا الحزب يعد امتداداً لحزب «العمال الكردستاني» التركي، المدعوم من أميركا. وفيما لم يتطرّق بيان
سوتشي إلى واشنطن، اكتفى بالحديث عن وحدة وسيادة سوريا، حتى لو استمر وجود القوات الأميركية على أراضيها. لكن الجميع يعرفون أن تركيا لا ولن تقبل بمثل هذا الدعم الأميركي لأكراد سوريا الذين يسيطرون على أكثر من 700 كلم من الحدود السورية مع تركيا، ليبقى القسم الآخر للجيش التركي الذي دخل جرابلس في 24 آب 2016، وامتد من هناك حتى أعزاز وعمقاً باتجاه الباب، لدعم «الجيش الحر» والفصائل الحليفة له، ومنها التركمانية.
من جهة أخرى، يدرك الجميع أن الوجود التركي في كل هذه المناطق، يقدّم مجمل الخدمات الحيوية، كالصحة والتعليم والكهرباء والمياه والأمن والبنى التحتية لسكان هذه المناطق، وذلك لضمان تأييدهم لأي مشروع أو مخطط تركي لاحق في هذه المناطق أو في سوريا عموماً، مع بدء الحديث عن احتمالات عودة اللاجئين في تركيا إلى ديارهم. لكن الدراسات تُبيّن أن نسبة عالية من هؤلاء لن يعودوا، بعدما رتبوا أمورهم الاقتصادية والاجتماعية في تركيا، عبر الخدمات المجانية التي قدمتها وتقدمها لهم الدولة التركية التي منحت الكثير منهم جنسيتها.
ويعني ذلك أنه في حال التصويت على أي مشروع يخصّ تركيا، ستصوّت نسبة عالية من السوريين في تركيا، أو في المناطق الشمالية السورية، إلى جانب تركيا، وخصوصاً إذا كان هذا المشروع له علاقة بحقوق التركمان، أو بأكراد سوريا.
يبقى الرهان على مضمون الاتفاق بين
بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترامب حول مستقبل سوريا وإيجاد حلّ سياسي وسلمي هناك، وهو ما يتضمّن إقناع الميليشيات الكردية و«قوات سوريا الديموقراطية» بضرورة الانسحاب من الرقة والحسكة ومنبج والشريط الحدودي السوري مع العراق، مقابل الاعتراف للأكراد بحكم ذاتي أو إدارة فيدرالية في المناطق، التي يشكل فيها الأكراد الغالبية اللازمة التي ستزعج تركيا بلا محالة.
على أنه يبقى المؤثر النهائي لمجمل التطورات المُحتملة، موقف الرئيس رجب طيب أردوغان، لما لبلاده من ثقل وأهمية كبيرة في المنطقة والحسابات الدولية، التي تؤثّر وتتأثر بكل المعطيات التركية، مع استمرار الرهان على التغيير المفاجئ في موقف أنقرة، من أستانا إلى
سوتشي ثم جنيف، وقبل ذلك على خط أنقرة وواشنطن الحليفتين منذ أكثر من 70 عاماً.
في غضون ذلك، يراهن كثيرون على احتمال «المصالحة» بين الأسد وأردوغان، وفق تصريحات الأخير في طريق عودته من سوتشي، حيث قال إن «أبواب ال
سياسة مفتوحة دائماً»، مضيفاً أن «الأسد أيضاً ضد الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري».
* حسني محلي - صحيفة الأخبار اللبنانية